إبراهيم عبدالله العمار
في الماضي.. كانت المناظرة فناً. يقف الخصمان الخبيران في مكان عام، وكان هذا أحياناً أمام الإمبراطور، ويدلي كل منهما بحجته، إلى أن تنتهي المناظرة بإقناع أو إفحام أو ربما تعادل. آنذاك كان الشخص يحترف المناظرة وفنونها، حتى إن المناظرات الرئاسية بين المرشحين كانت تأخذ أحياناً من الصباح إلى الليل! وكان لدى الناس بالٌ طويل وقدرة على التركيز.
اليوم مع الإنترنت صار الكثير يدخلون في مناظرات إلكترونية لا حصر لها، وإذا كنتَ ممن يحب المناظرة والمناقشة فيجدر بك أن تنتبه لمغالطات منطقية تنتشر في أغلبها، وخذ مغالطة الاستشهاد بالأكثرية، وفي هذه المغالطة يحاول خصمك إثبات صحة حجته بأن يزعم أن أكثر الناس يوافقونه، وهذا لا يعني شيئاً في حد ذاته، فأكثر الناس في الماضي كانوا يظنون الأرض مسطحة، فهل دل هذا أنها كذلك؟ والكثير من الناس اليوم لا يؤمن بالأدوية الحديثة ولا يتناولها مثل بعض الطوائف الدينية، فهل يدل هذا أن مسكّن الألم والتخدير والمضاد الحيوي لا ينفع؟ وقد ذهب المستكشف الراحل ستيف إيروين إلى إحدى تلك الشعوب في سريلانكا ولدغت أفعى أحدهم فأحضر له ستيف مصلاً يحميه من السم إلا أن الرجل رفضه وقال أنه سيضع حصاة مقدسة على مكان الجرح...ومات تلك الليلة!
مغالطة أخرى هي الإصرار أن التوافق يعني السببية، فمثلاً يغيّر محل ديكوره الداخلي في شهر سبتمبر، وفي نفس الشهر يلاحظون انخفاضاً في الدخل، فهنا من الخطأ الإصرار أن توافق الانخفاض هذه مع التغيير يعني أن التغيير هو السبب، بل قد يكون هناك أكثر من سبب لذلك، لذلك تجد حذراً بالغاً في الدراسات العلمية من هذه النقطة بالذات، فهل لاحظتَ كلمة «رابط» التي تُستَخدَم دائماً في الطب؟ مثل هذا الخبر المنشور في أغسطس 2018م: العلماء يجدون رابطاً بين السكري وحمية كيتو. إذا قرأتَ النشرات تلك ستجد فقط كلمة «رابط»، لكن يتورعون أن يقولوا بثقة «الكيتو تسبب السكري»، ولا يصلون لهذه المرحلة إلا بعد دراسات وإثباتات مُضنية تبرهن ذلك بيقينٍ كافٍ.
هناك الكثير من مثل هذه المغالطات، وكلما خَلا منها كلامك زادت حجتك قوة.