عبده الأسمري
نمضي في الحياة بين فصول متعددة من الأقدار.. تواجهنا نصوص قدرية متعددة للقراءة الروحية والاستقراء النفسي وصولا إلى التدبر والعبر فمن وقف أمامها وصل إلى الاعتبار والاقتدار والانتصار ومن تجاهلها ارتمى في غياهب «المحن» وغيابت «الانهزام»..
وسط خضم بحر لجي مجهول من الأقدار تسير سفينة الإنسان الذي يمتلك بوصلة «عقل» بمؤشرات «مجهولة» واصطدامات جاهلة مع المستقبل لا تعرف «المصير لأنه في حكم «المتلقي» و»المسير» وفق آفاق إلهية عليا وغيبيات ربانية لا يعلمها إلا صانعها وكاتبها سبحانه وتعالى.
تمر بنا قصص الموت وأخبار الوفاة وأمواج المصائب كوقائع مشاهدة وحقائق مشهودة يتربص بنا الحزن ويحيط حولنا الأسى وقتيًّا ثم نظل في نقل وتقبل متأرجح للحادثة في ميزان متقلب بين مزاج «الحال» وامتزاج «الواقع» وسط دهشة تأسرنا واندهاش يقيدنا نحو الدوران حول مركزية «الحقيقة» بكل صورها.
الأقدار بكل تفاصيلها والصادرة من خزائن لا تنفذ تحتاج اتزانًا بين الإحاطة والاحتياط في تقبل القدر والإيمان به بكل مفصلاته وبين اتخاذه «معبرا» و»جسرا» للانتقال إلى مساحات قادمة من أقدار مماثلة لا يمكن التنبؤ بها في حين أن «حتمية» الحدوث و»فرضية» الوقوع واقعة لا محالة ولكن النفس تبقى في عزلة عن وجود تهيئة نفسية وسلوكية ووجدانية تدعم جهاز المناعة النفسي لتلقي الصدمات والتعامل مع النوائب وهذه من الأزمات التي تواجهها النفس في مراحل عمرية كثيرة..لذا يجب أن يكون لدى كل إنسان خطة لدعم نفسه بثقافة التعامل مع الأقدار وكذلك إدارة المصائب بشكل ذاتي واستباقي مع أهمية الاعتبار بأن يكون هنالك تغذية مرتدة على النفس من كل فاجعة أو نائبة من خلال معرفة تقبل الحادثة ومدى النجاح في تجاوزها أو الوقوع في الفشل لعدم اجتيازها.. لذلك فقد سميت الأقدار المؤلمة «ابتلاءات» و»محن» ومن الضروري النظر إليها من جانب فكري وثقافي وعقلي وجعلها عنوانًا لإستراتيجية نفسية تدعم الجهاز النفسي في أقدار مستقبلية.
الأقدار تصنع الاعتبار للنفس متى ما أخذت حيزًا من التجربة الحقيقية وليس مجرد حادثة عابرة أو حزن مستديم أو ذكرى موغلة في الألم.. لذلك فإن الأقدار قد تمنح الشخصيات الاقتدار لمواجهة آلام قادمة من خلال التعامل الأمثل مع القدر بدءًا من الإيمان به وحمد الله عليه مرورا بالاستفادة منه في التدبر والعبر وانتهاء بصناعة القدرة على تجاوز الأزمات بروح صابرة تجيد العزف على أوتار الجلد والصبر والمواجهة.
الابتلاءات معركة حقيقية تهاجم النفس وتستعمر الروح ولكن الانتصار عادة بيد الإنسان فالحياة تسير رغما عن الوجع والعمر يمضي بعجلة زمنية محددة لا تقف بمجرد أزمة حياتية أو تأزم إنساني.. العبرة بالنصر من خلال الصبر والظفر بالعبر لتكون أقلامًا ترسم خارطة الحياة بثبات أقوى وإثبات أعظم يكون فيه الإنسان «نصير» نفسه و»بطل» أزمته.
المحيط الحياتي مليء بالعبر وشاشة الخيال مكتظة بالطاقة الإيجابية والسلبية على حد السواء ووسط التوقعات والتكهنات والتنبوءات المرتهنة لطبيعة الشخصية الإنسانية فإن «الأقدار» ترتب مواعيدها وفق منهج رباني حكيم. فيظل الإنسان رهينًا للرضا مرتهنًا إلى فلسفته وطبيعته وقوته ومهاراته في استقبال تلك التفاصيل القدرية المسجلة باسمه والقادمة إلى مكانه وزمانه في مواعيد ثابتة.
قوة الإنسان الحقيقية في العيش باطمئنان روحي بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه في مسائل لا يمتلك أمامها سوى الإذعان لأمر الله والإتقان في إدارة أزمته وقيادة نفسه نحو السكينة والطمأنينة.
على قيد الانتظار.. يبقى الإنسان في دائرة الأقدار.. ويظل تفكيره الذاتي وتقوية مناعته النفسية والاجتماعية والسلوكية منهجية تقوده إلى الاقتدار في مواجهة الصعاب ومنازلة المصاعب.