أحمد المغلوث
كانت الساعة تشير إلى الثامنة إلا ربع من صباح يوم الأحد الماضي. هذا اليوم الذي سوف يذكره مئات الألوف من الآباء والأمهات وحتى الأجداد والجدات، وربما ذكره أيضًا الطلاب والطالبات الصغار الذين توجهوا للروضة أو للمدرسة لأول مرة في حياتهم.
لقد عرَّف بنفسه، فهو من جيل «الخريف»، خريف الحياة، وهو المرحلة السابقة لمرحلة الشيخوخة، ومثل ذلك خريف الأشياء، كما هو حاصل في فصل الخريف عندما تبدأ ظاهرة تساقط أوراق الأشجار.. وموضوع الخريف موضوع واسع، أشبه بالثوب «الفضفاض»، ربما أتناوله في كتابة أخرى في هذه الزاوية أو في «الإطلالة». لكن صاحبنا «الخريفي» اتصل بعدما قرأ ما كتبته في هذه الصحيفة في يوم اتصاله نفسه «على هامش العودة للمدارس.. كيف نوجد التشويق للدراسة لدى الأبناء..؟»، وقال: لقد اطلعت عبر موقع الصحيفة على «إطلالتك» التي أعادتني إلى ما عشته صباح اليوم من مشاهد وأنا بصحبة أحد أحفادي الذي اصطحبته للمدرسة اليوم لأول مرة، وشاهدت مشاهد عديدة جديرة بالتصوير عند المدرسة.. لكنني كنت مشغولاً بحفيدي الذي كان يسحب قدميه بصعوبة حال نزوله من السيارة، وكان يبكي بحرقة، وكدت أبكي معه؛ فلقد عشت قبل عقود «الحالة» نفسها من الخوف والتردد والوجل وحتى البكاء.. لكن كانت يدا والدي - رحمه الله - من القوة وحتى الحنان تدفعانني إلى أن أسرع الخطى؛ لأسابق أقراني إلى الدخول إلى بوابة المدرسة. وراح يتحدث عن بعض المشاهد التي عاشها في الماضي، وشاهدها اليوم عند بوابة المدرسة التي التحق بها حفيده. مشاهد قال عنها أكثر مما قاله مالك في «الخمر»، ولولا الحياء لطلبت منه تسجيل مشاهداته التي لم تخلُ من الطرافة وحتى الضحك. فهذا الطفل أعاده والده إلى البيت بعدما بلل ثيابه بـ(....) - أعزكم الله -، وذاك كان مصحوبًا بوالدته التي كانت تبكي سعيدة فرحة، وكان صوت بكائها ونشيجها يطغى على بكاء ابنها الذي استمر في بكائه حتى أمسكه مراقب المدرسة وهو يربت على شعر رأسه بحب. أما الثالث فكان يردد بصوت عال: رأسي يوجعني، رأسي يوجعني؟!
وفي سياق حديثه الذي كاد يطول، ويمتد لساعات، اتضح - على ما يبدو - أنه كان في شوق للحديث عن مشاهداته حول بوابة المدرسة.. لكنه قبل أن يختم مكالمته طلب أن أُكثر الكتابة عن كيفية «تشويق الأبناء للدراسة»؛ فهو - كما قال أبو يوسف - موضوع الساعة؛ وهذا وقته! فوعدته خيرًا شاكرًا اتصاله، ولم أتردد في أن أكتب اليوم هذه السطور من وحي مكالمته التي أعادتني أيضًا إلى مشاهد سابقة، سبق أن تناولتها قبل عقود في كتاباتي خلال «تقرير اليوم» الذي كنت أشارك في كتابته في الصحيفة التي كنت أعمل بها سابقًا.
الجدير بالذكر هنا أن مشهد الطالب الثالث الذي كان يردد «رأسي يوجعني» هو مشهد يتكرر لدى ملايين الطلاب الصغار وغير الصغار حول العالم، وهو نتيجة - كما يشير إلى ذلك علماء السلوك والطب النفسي - لإفراط الأهل في دلال أطفالهم، والاهتمام المبالغ فيه من خلال رعايتهم لهم، والتعاطف الكبير مع الطفل في حالة وجود شكوى منه، ربما لأسباب واهية؛ وهو ما يجعله يستغل الفرصة لتكرار شكواه، أو حتى تصنع الألم، وحتى البكاء الكاذب.. كما فعل الطفل الثالث في المشهد الذي أشار إليه صاحبنا أبو يوسف.
وكل عام دراسي والجميع بخير..؟!