د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
وصف الأجنبي نسبي للمكان والزمان، فاللاعب الأجنبي قد لا يعني بالضرورة اللاعب الوافد للملاعب السعودية، بل قد يعني أيضاً اللاعب السعودي الذي يلعب في الخارج، فهو لاعب أجنبي هناك. وقد شاهدنا لاعبين بارزين وافدين يفشلون في ملاعبنا، ولم ينجح بعض اللاعبين السعوديين في التأقلم مع اللعب في الخارج. البعض يعزو ذلك لاختلاف أساليب الاحتراف، والبعض الآخر للظروف المناخية أو الاجتماعية، وما إلى ذلك من العوامل التي هي بلا شك عوامل مؤثرة لكننا نادرًا ما نتطرق للعوامل الثقافية. وعندما نذكر العوامل الثقافية لا نقصد مستوى التعليم أو التطور الاجتماعي كما يعتقد، بل نقصد الوعي الذهني العام الذي يشكل عقل ووجدان اللاعب؛ نشأة اللاعب، تطور نظرته لنفسه ونظرة الآخرين والجماهير له، أسلوب حياته طموحاته إلخ...، والأهم من ذلك هو تصوره لدوره في الفريق، وتطور مهاراته لأساليب للتعامل مع الخصوم الذين يعلب ضدهم.
تطور العلوم العقلية والعصبية مؤخرًا سلط الضوء على مثل هذه الظواهر بعد اكتشاف علاقة بين أنشطة في الدماغ والسلوك الذهني والحركي للإنسان. التجارب، والصور بالتقنيات المختلفة كأشعة الاف إم أر أي، أو التصوير الكهربائي لنشاط الدماغ بينت هذا الارتباط. نشاطات كهربائية تولدها خلايا الدماغ كيميائيًا ويمكن تصويرها أو مراقبتها بهذه التقنيات. ويقدر العلماء أن وزن الدماغ في معدل الشخص البالغ كيلو ونصف ويوجد فيه 100 بليون خلية عصبية تسمى نيرون. ويرجح العلماء أن هذه النيورونات هي المسؤولة عن وعي الإنسان، وذاكرته، وتفكيره وسلوكه. وكثير من الدراسات عن وظائف الدماغ عرفت بسبب غياب هذه الوظائف أو اعتلالها جراء الإصابات المختلفة لأجزاء محددة في الدماغ. فالأمور المتعلقة بالحركة، على سبيل المثال توجد في مقدمة الدماغ، والإبصار يكون عبر العين مرورًا بخلايا عصبية ويتشكل في الأجزاء الخلفية من الدماغ.
ما يهمنا هنا هو أن هناك أبحاثاً ترجح أن الذاكرة، أو العادات أو حتى التعود والتهيؤ للتصرف تكون على شكل شبكات عصبية متداخلة في الدماغ تتطور مع التعود بالتعامل مع البيئة الخارجية، وهي تعمل بشكل سريع خارق. فمعدل فهم صوتيم واحد (صوت لغوي) من اللغة يستغرق 400 جزء من الثانية، وهذا يمكن الإنسان من التفاهم لغويًا بشكل شبة تلقائي بفهم جمل طويلة. والسرعة في التصرف الحركي التلقائي لابد أن تكون مشابهة، فنحن عندما ندرب اللاعبين نقوي الأجزاء المختصة في الدماغ المسؤولة عن نوعية الحركات في رياضته. ولذا نلحظ أن لاعبي الكرة يتصرفون عادة بشكل تلقائي سريع في كثير من أمور التحكم في الكرة والركض بها، والبطء فقط هو في القراءة الطارئة لحركة اللاعبين الآخرين، ومساحات الملعب.
وقد صدرت قبل سنوات أبحاث في علم الأعصاب من إيطاليا وكاليفورنيا ذات علاقة بالرياضة خصوصًا، تتطرق لما يسمى بالنيرون الانعكاسي، وهو نيرون لا يدخل في التفكير الذاتي بل في توقع تصرف حركة الآخرين المحيطين بالفرد. وهذا النيرون ينشط عند تقليد الآخرين أو الإحساس بالتعاطف أيضاً. ولأن وعي الإنسان يعتمد في كثير من الأمور على التفاعل مع الآخرين والتعامل الدائم معهم، فبعض وظائف الدماغ تأخذ شكل توقع العلاقة مع الآخرين وتوقع تصرفاتهم. ويحتاج الرياضيون بالذات مهارة كبيرة لقراءة اللاعب الخصم واستباقه في الحركة. وعندما أرسلت رعاية الشباب حراس مرمى إلى ألمانيا للتدريب انبهروا باستخدام الكمبيوتر في تدريبهم. والواقع أن هذه برامج حاسوبية مصممة خصيصاً لتقوية مراكز هذه النيرونات لديهم لزيادة سرعة ردة فعل التوقع بتوجه الكره وذلك بملاحق كرة مفترضة على الشاشة. أي زيادة قدرة التفكير الانعكاسي لديهم.
قدرة اللاعب على توقع حركة الخصم يتطلب فهم ثقافة الخصم التي تؤثر في سلوكه. فلكل مجتمع ثقافة سلوكية معينة تميزه عن غيره. وأسلوب لعب دول العالم الثالث يختلف عن أساليب لعب دول العالم الأول، ولذا يحتاج اللاعب لوقت طويل للتأقلم مع أي بيئة جديدة. وقد ينجح اللاعب البرازيلي في ملاعبنا أكثر من اللاعب الأوروبي لتشابه الخلفيات الثقافية. وربما يكون الحكم السعودي أيضًا أقدر على فهم نوايا اللاعب السعودي من الحكم الأجنبي. فلا نستغرب من فشل أسماء أجنبية كبيرة في ملاعبنا، ونجاحها في ملاعب أخرى. وكلما طورت الفرق الرياضية أساليب غير معهودة سابقاً كلما فاجأت بها خصومها وحققت إنجازات مبهرة. فعلت ذلك البرازيل، وهولندا، وألمانيا وغيرها من الدول التي طورت أساليب جديدة. ومؤخرًا تراجعت البرازيل لأن الجميع تعود على أسلوب لعبها.