رقية سليمان الهويريني
لا تكاد تخلو قنوات التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني من مناشدات لجمع تبرعات مالية بالملايين بهدف دفعها دية لأهل قتيل، في إلغاء صريح للمقاصد الشرعية لعقوبة القاتل، وتحويل مسألة القتل إلى تجارة تتكسب منها عدة أطراف.
والصدمة أن تصل الدية إلى خمس وخمسين مليون ريال كما حصل مؤخرًا، وهذه مبالغة كبيرة جدًا! ولا تعدو عن تعجيز أولياء القاتل عن الدفع، أو ابتزاز ومتاجرة فاضحة بالدماء! وهناك من حوَّل هذه الظاهرة الدنيئة إلى مزادات علنية لا تقبلها النفوس النبيلة ولا ترضاها العقول السليمة في مجتمعنا المسلم.
وليت الحكومة تتدخل بحزم لوقف هذه المبالغات والحد منها، والعودة لنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقدير الدية بمائة بعير وهو ما لا يتجاوز خمسمائة ألف ريال حاليًا حتى لا يتنازع الناس في ذلك، لأنه مهما اختلفت منازل الناس وأجناسهم فهم جميعاً سواء أمام تقدير الدماء، فلا تفاوت بينهم.
وفي القصاص حياة، وعدالة كما قال الله تعالى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ولكنه أيضا قال {وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} والعفو لا يعني العوض الذي يطلقه أولياء الدم بعد استلام الدية وإنما هو العفو الخالص الذي لا يلحقه تضييق وأذى! وأي قيمة لعفو يخلَّص به الجاني من القصاص وتشقى أسرته وعشيرته بجمع المال وهدر الكرامة وإراقة ماء الوجه على عتبات الوجهاء والمتبرعين وإقامة مخيمات لتوفير المبلغ المطلوب لدفعها لورثة القتيل؟! فضلا عن السماسرة الذين يشعلون فتيل الفتنة بالمغالاة في الدية ليكون لهم نصيب منها.
ولا شك أن المبالغة في الديات بمفهوم (عوض العفو عن القصاص) هي ضعف في الدين وقلة في الوعي بأهمية العفو، وإبقاء للعداوة وقطعًا للشهامة والمعروف بين الناس.
ولا يخلو مجتمعنا بحمد الله من وجود مَن يعفو بصمت ويلتحف الصبر ويحتسب الأجر على الله؛ وهؤلاء يبدلهم الله -تعويضًا عن فقيدهم- راحة في البال وسعة في الرزق وسلوانا في مصابه.