م. بدر بن ناصر الحمدان
في مارس عام 2013م حضرت مؤتمراً عن مدن المستقبل في كوريا الجنوبية، وكانت إحدى ورش العمل على هامش المؤتمر مقامة في جزء من مساحة مواقف أرضية للسيارات داخل مبنى حكومي مجاور، والحقيقة أن ذلك كان محل تساؤل بالنسبة لي، مما دفع بي للبحث عن مبرر مقنع لاختيار اللجنة المنظمة هذا المكان لتلك الورشة في حدث دولي بارز، في وقت كان بالإمكان استبداله بقاعة أكثر مثالية وملائمة، إلا أنني علمت لاحقاً أنه كان جزءًا من رسالة رمزية من المؤتمر لتفعيل مبدأ شراكة الاستثمار والمنفعة في منشآت القطاعات الحكومية ومرافقها وتعزيز الاستفادة القصوى من المنشآت العامة.
تُعرّف المؤسسة الدولية لإدارة المرافق بأنها «المهنة التي تضم تخصصات متعددة، لضمان الأداء الوظيفي للبيئة المبنية من خلال تكامل الناس، المكان، العمليات، والتكنولوجيا». وفي اعتقادي الشخصي أن استثمار هذه المرافق يعتبر من العناصر الرئيسة لضمان كفاءة الأداء والتشغيل، إذ لا يجب أن يُنظر الى أي مرفق «بأحادية» تقتصر على التعامل معه وفق «ما خصص له» فقط، بل لا بد من تحويله إلى عنصر مكاني تفاعلي مع البيئة المبنية المحيطة وما يرتبط بها من وظائف وأنشطة عمرانية مختلفة، وتحقيق التكامل مع تكوينات المجتمع بمختلف أنماطها واختصاصاتها، كما أن التوجهات الحديثة في النظرية الوظيفية في العمارة تذهب إلى خلق مرونة كافية للمباني عند تصميمها لتوفير القدر الأعلى من جاهزيتها لضم وظائف متعددة ومتنوعة.
استاد جامعة الملك سعود بالعاصمة الرياض أو ما يسمى بـ (محيط الرعب) بنسخته الحالية الذي افتتح في مايو 2015 م لاستضافة الأنشطة الرياضية الخاصة بالجامعة ويتسع لحوالي 25 ألف متفرج، قدم نموذجاً «محترفاً» في منهج إدارة المرافق العامة واستثمارها عندما توصل في أكتوبر 2017م مع الشريك التسويقي لنادي الهلال لبروتكول استضافة مباريات النادي المحلية والقارية كأول نادٍ سعودي يمتلك هذا النوع من الحق. هذه التجربة في أسلوب إدارة المرافق العامة تعتبر مثالاً محتذى و»عملاً نادرًا» في ظل التركيبة المعقدة لسياسات وإجراءات الاستثمار والشراكة في الإطار الحكومي.
أغلب القطاعات الحكومية تمتلك مواقع ومنشآت ضخمة لكنها مخصصة لاستخداماتها فقط، ونسبة كبيرة منها ذات مستوى تشغيلي متدن، وأخرى تصنف كمرافق «شبه مُعطّلة» بالرغم من كونها مؤهلة وبشكل كبير لاستيعاب أنشطة وأحداث وفعاليات المدينة، ولديها إمكانية الاستثمار مع القطاع الخاص بشكل يحقق «المنفعة العامة» لجميع الأطراف ويساهم في تمكين الاستخدام الفاعل للموارد.
الفلسفة الحديثة في إدارة المدن ومرافقها تحتم على هذه القطاعات العمل بعقلية أكثر انفتاحاً ومرونة للاستفادة من منشآتها استجابة لحاجات المجتمع، باعتبار أن إدارة المرافق تحولت اليوم إلى مقياس لاقتصاد أي مدينة وقدرتها على توظيف مقدراتها. لذلك نحن بحاجة إلى مراجعة دقيقة لسياسات التعامل مع وظائف المباني الحكومية، وتجريدها من مفهوم الحيازة، فالمبنى لم يعد يقتصر على الوظيفة التي أنشئ من أجلها، بل هو ملك عام لاحتياجات المدينة.