د.عبدالله بن موسى الطاير
أمريكا، أقوى دولة على وجه الأرض، وقوتها في اتحادها، وأول علامات أفول نجمها تكمن في التفكك الداخلي. وكان مستبعدًا حتى لحظة انتخاب الرئيس ترمب لأن أتباعه يمكن أن يخوضوا حربًا أهلية من أجل بقائه في السلطة.
إلى أي مدى تؤثر قوة أمريكا وضعفها على الاتحاد الأوروبي؟ أمريكا القوية تسيطر على أوروبا، وتنتقص من سيادتها. والخلاف معها يعلي الأصوات التي تطالب بالاستقلال عنها.
خلال الأسبوع الماضي طالب الرئيس ماكرون رئيس فرنسا بسيادة أوروبا، وباستقلال كامل عن أمريكا. بينما رغبت جارته الكبرى ألمانيا في «شراكة جديدة ومتوازنة مع الولايات المتحدة تستعيد بها أوروبا حريتها».
هواجس الاستقلال الأوروبي عن أمريكا لم تكن مطروحة قبل الرئيس ترمب. والخطوات العملية بدأت للاستقلال بدأتها ألمانيا وفرنسا وتمثلت في دعوة الرئيس الفرنسي إلى عدم الاعتماد على الحماية الأمنية الأمريكية وحدها، بينما طالبت مستشارة ألمانيا السيدة ميركل بتطوير أنظمة دفع مستقلة عن الدولار لمنح السيادة المالية لأوروبا من جانب، وبناء تحالف متعدد الأطراف من جانب آخر. وببساطة فإن ألمانيا وفرنسا يحاولان حماية أوروبا عسكريًّا واقتصاديًا من الهيمنة الأمريكية. ولكن هل أوروبا موحدة على هذا الرأي؟ بالتأكيد لا، فبعض أعضاء الاتحاد الأوروبي قلقون من الهيمنة الألمانية ولذلك فإنهم يستقوون بالولايات المتحدة من أجل إحداث توازن داخل البيت الأوروبي.
إذا كان السؤال عن وحدة أمريكا أصبح مطروحا فهل يمكن لنا طرح سؤال عن إمكانية دخول أوروبا وأمريكا في حرب مسلحة؟ يمكن أن نشهد حربا بين ضفتي الأطلسي إذا تحالفت أوروبا مع الصين واليابان لإسقاط الدولار، واستبداله بنظام مدفوعات يعتمد على اليورو أو سلة عملات.
وما دام أن إمكانية الحرب موجودة فللنظر إلى القوة التي يتمتع بها الجانبان؛ ففي حين تنفق أمريكا على التسلح حوالي 664 مليار دولار سنويا فإن الإنفاق الأوروبي لا يتجاور 227 مليارًا. وإذا كان عدد أفراد الجيش الأمريكي الفعلي هو نفسه عدد أفراد الجيش الأوروبي والمقدر بنحو 1.4 مليون مقاتل لكل جانب، فإن أمريكا تتفوق على أوروبا في عدد الدبابات حيث لدى أوروبا 6700 دبابة مقابل 8848 لأمريكا، كما أن أمريكا تتفوق على أوروبا في عدد حاملات الطائرات بأكثر من الضعف، وبالطائرات القتالية بنحو النصف حيث تملك القوات الجوية الأوروبية 6751 طائرة والأمريكية 13444. أما عدد قطع السلاح النووي فلا مقارنة حيث لدى أوروبا 525 سلاحًا نوويًّا (فرنسا وبريطانيا) أما أمريكا فتمتلك 6800 سلاح نووي. ولأي حرب فإن الوقود يعتبر عاملا مهما وحاسما في النصر أو الهزيمة حيث تنتج أوروبا 1.7 مليون برميل نفط يوميا بينما تنتج أمريكا 9 ملايين برميل، كما أن الأخيرة تسيطر على المنتجين الرئيسيين للنفط، ولذلك تستميت أوروبا في توطيد تحالفها الاستراتيجي مع إيران وتحاول خلق حلافات مع منتجي النفط المستقلين أو المعادين لأمريكا. مشكلة أوروبا أنه لا يوجد لها أي قاعدة عسكرية في أمريكا بينما تنتشر القواعد الأمريكية في أوروبا، كما أن قوة أوروبا ووحدتها حققتها تحت مظلة الناتو الذي تقوده أمريكا. وعليه فإن أية مواجهة عسكرية بين الطرفين ستكون أوروبا ميدانها وليست أمريكا.
لا يمكن فصل قوة الاقتصاد عن القوة العسكرية التي تحميها، وإذا كانت بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي فقد تغري أمريكا غيرها من الدول لفعل ذلك أو على الأقل البقاء مع موالاتها لأمريكا لمنع الإجماع الأوروبي.
كل ما نسمعه من تصريحات أوروبية إنما تمثل رأس جبل الجليد، وسوف تحدد انتخابات الكونجرس النصفية في نوفمبر القادم شكل العلاقة المستقبلية بين أمريكا والاتحاد الأوربي. فإذا تغيرت الأغلبية في الكونجرس لصالح الديمقراطيين فإن ذلك سيفتح باب الأمل بالنسبة للأوروبيين وسوف يبطئون سرعة الابتعاد عن أمريكا، وإذا حدث العكس فإن أوروبا لن يكون لديها خيار سوى التحليق بعيدًا عن واشنطن، فالزواج الكاثوليكي لا يفسخه سوى خيانة أحد الطرفين.