وليد الأشول
تكرر مؤخراً النقاش حول الفجوة ما بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، ولا أريد أن أركز على الجانب الأكاديمي الذي يتطلب من وزارة التعليم إيقاف أو دمج بعض التخصصات الحالية، إما لاكتفاء سوق العمل أو التغير في جانب التكنولوجيا، إضافة لتغيّر معادلة العرض والطلب في جانب القوى العاملة. وبلا شك أن وزارة التعليم ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية لم يغِب عنها هذا الجانب ولديها نشاطات ودراسات قائمة حالياً لتجسير هذه الفجوة.
ما أود أن أتطرق إليه في هذا المقال هو الجانب التطبيقي في المهارات الأساسية التي تسهم في توظيف الشباب السعودي واندماجهم في سوق العمل، ليكونوا على مستوى المنافسة الحالية في بيئات العمل. فلم يتم التركيز على هذا الجانب بشكل فعّال من قبل المؤسسات التعليمية وجهات العمل سابقاً التي ستسهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في خفض نسبة البطالة.
وأعني هنا بالمهارات الأساسية هي مهارات التوظيف (EMPLOYABILITY SKILLS) ويندرج تحت هذا المسمى العديد من المهارات التي يلزم توفرها في الموظف، فهي أهم عنصر ينبغي أن يتم إعادة حقنة ولكن بجرعة مضاعفة في برامج التوظيف والسعودة حتى يتمكن الشباب السعودي من التميز في بيئات العمل، والحصول على فرص وظيفية أفضل. وفي هذا الجانب ينبغي أن يكون دور أصحاب العمل وجهات التوظيف رئيسياً، بالتعاون مع صندوق تنمية الموارد البشرية لتفعيل برامج تدريب ممنهجة قبل وبعد التوظيف.
ولكي اختصر النقاش، تجد ذلك جليّاً في عملية إحلال الشباب السعودي في قطاع التجزئة مؤخراً، حيث المنافسة العالية بين السعوديين وغير السعوديين. فهناك جهات عدة في قطاع التجزئة قامت بحملات توظيف مباشر لكي يمتثلوا لقرار وزارة العمل بسعودة قطاع التجزئة، ولكن دون منهجية في التوظيف من قبل الجهات الموظّفة ومنها تقديم برامج تدريب موجهة للشباب السعودي لإكسابهم مهارات التوظيف، لرفع مستوى الوعي وتمكينهم من المهارات المطلوبة في سوق العمل. وأدى ذلك إلى ترك مساحة للكثير للطعن في قدرات السعوديين والسعوديات في قطاع التجزئة، كما نتج عن ذلك ممارسات عديدة في تقديم صورة سلبية عن سعودة هذا القطاع.
ومن خلال جانب آخر هناك شركات عَقدت برامج تدريب ولكن دون فاعلية، وذلك لضعف مخرجات برامج التدريب، لعدم تطبيقهم أساليب وطرق التدريب والتطوير العلمية.
ولعلي أتطرق بشكل سريع إلى أهم عناصر التدريب الفعّال في مثل هذه الحالة:
1 - تحليل الاحتياج التدريبي (TRAINING NEED ANALYSIS).
2 - تصميم التدريب (TRAINING DESIGN).
هذان العنصران ينبغي أن يتوافقا بشكل مباشر مع المخرجات المطلوبة للوظيفة المستهدفه وكذلك استراتيجية الشركة، ويتلاءما مع مستوى وعي ومهارات الفئه المستهدفه للتوظيف من حيث:المهارة، الثقافة، المستوى التعليمي، العمر.
3 - كفاءة المدرب (TRAINER COMPETENCIES) كفاءته من ناحية المعرفة والمهارة في التدريب وتمكنه من المادة التدريبية والخبرة في ذات المجال فهو عنصر رئيسي لنجاح أو فشل نقل المعرفة إلى المتدربين وتحفيزهم.
4 - تقييم التدريب والتغذية الراجعة (TRAINING EVALUATION AND FEEDBACK): والأفضل أن يكون التقييم عن طريق قياس مهارات المتدربين قبل وبعد اندماجهم في العمل من خلال أساليب وتطبيقات قياس الأداء لمعرفة مدى جدوى الاستثمار في البرنامج التدريبي وحاجته للتحسينات ليتوافق مع مخرجات الوظيفة.
ولا تقتصر عملية التدريب في هذا الجانب فقط، بل هناك أيضاً مسألة جوهرية وهي التعاقب الوظيفي SUCCESSION PLANNING ويتضمن ذلك عملية نقل المعرفة والمهارة من الموظفين ذوي الخبرة في ذات القطاع إلى الشباب السعودي حديثي التوظيف لتأهليهم خلال عملية التطوير الوظيفي، ولا أستطيع أن أجزم أن الإهمال في هذا الجانب مقصود أو غير مقصود.
فبدون توفر هذه العوامل لنقل المعرفة والمهارة لن يتحقق التدريب الفعّال والعائد على الاستثمار من التدريب (TRAINING ROI) والعائد على الاستثمار للشركة في هذه الحالة هو ارتفاع نسب المبيعات وجودة الخدمة المقدمة.
الجدير بالذكر أن هناك الكثير من الشركات اليوم تتنافس في برامج المسؤولية الاجتماعية (CORPORATE SOCIAL RESPONSIBILITY) التي تُقدم من قِبلهم لدعم المجتمع وكذلك لتحسين الصورة الذهنية للشركة من قبل المستهلكين أو المستفيدين والجهات ذات العلاقة، وتخصص الشركات ميزانية سنوية لهذه البرامج.
ولي تحفّظ على الكثير من هذه البرامج ومدى أثرها الفعلي في حياة الأسرة السعودية. فمن الأجدر أن يتم إعادة توجيه هذه الموارد لتتركز في برامج التدريب والتأهيل الشامل للعاطلين عن العمل أو حديثي التوظيف للانخراط في سوق العمل، فهي الإسعافات الأولية لإنجاح السعودة.
أخيراً، أرجو أن يعي أصحابُ العمل أن النتيجة النهائية من الاستثمار في تدريب الشباب السعودي لا تُختزل فقط في العوائد المالية التي ستحققها من خلال رفع نِسب المبيعات وتحسين جودة الخدمة. بل يمتد أثر ذلك إلى تغيير شمولي في ثقافة الشباب عن مهارات التوظيف والاحترافية في العمل، وسرعان ما سينتشر هذا الفِكر بينهم ليكون جزءاً من أسلوب حياتهم.