د. عبدالحق عزوزي
الأستاذ خليل عيلبوني شاعر عربي متمكّن، أتشرّف بزمالته، وهو من أصول فلسطينية، عاش حياته بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمغرب، وأعطاه الله عروبة صادقة، وهو أمير من أمراء منابر الشعر، يقيم للإبداع قلعة وللموهبة عرشاً ويضع فوق هامة الشعر تاجاً، والصولجان في يده يراع من خشب الأرز العربي الأصيل، هذا الرجل أحب المغرب كثيراً وأحب مدينة فاس بالخصوص. وللذكر فإن فاس التي ترعرعت فيها، كانت أول عاصمة للمملكة المغربية، ولها دور كبير في تأسيس الدولة المغربية والمواطن المغربي الذي عرف بانفتاحه وقبوله بالآخر أياً كانت ديانته. وكان من آثار توسيع فاس، ظهور حركة علمية، انطلاقاً من جامع القرويين الذي أسسته السيدة فاطمة بنت محمد الفهري المكناة أم البنين، عام خمسة وأربعين ومائتين للهجرة (859م) في عهد يحيى حفيد إدريس الثاني، ثم جامع الأندلس الذي أنشأته بعد ذلك أختها السيدة مريم، وكانتا قد وفدتا ضمن الأسر التي قدمت من القيروان إلى فاس في ذلك العهد. ويمكن القول إن المدينة أصبحت بفضل هذين الجامعين -لا سيما القرويين- عاصمة علمية تضاهي قرطبة في الأندلس، ومركزاً دينياً للفقه المالكي الذي اختاره المغاربة واستقروا عليه -إلى جانب العقيدة الأشعرية- ابتداءً من منتصف القرن الثاني الهجري، حتى غدا من أبرز ظواهرهم الفكرية، إن لم يكن أبرزها على الإطلاق. واكتسبت مدينة فاس مركزية لا توصف، ليس بالنسبة للمغرب فحسب، ولكن للعالم الإسلامي كله، إذ غدت قبلة الفقهاء الوافدين إليها بأفواج كبيرة من كل حدب وصوب، لاسيما من القيروان والأندلس أواخر القرن الثاني الهجري وأوائل الثالث، على نحو ما يحكي التاريخ عن وفود القيروانيين والأندلسيين الذين كانوا في معظمهم من الفقهاء المالكيين، والرحالة والطلبة والعلماء من كل الديانات على نحو ما يُذكر عن قدوم جربير الذي هو البابا سلفستر الثاني، إذ يُقال إنه زار فاس بعد منتصف القرن العاشر الميلادي، وأخذ الحساب عن علماء القرويين، وإنه هو أول من أدخل الأرقام العربية إلى أوروبا. ولم يكن غريباً في سياق هذا التطور المتنامي، أن تحتضن فاس جموع الوافدين إليها من مختلف الجهات، وأن تصهرهم في بوتقتها، وتدمجهم في مجتمعها المتحرك الجذاب، القابل لمثل هذا التفاعل الذي التقى فيه الأمازيغ بالعرب الوافدين من الأندلس والمشرق، وكذا بالأفارقة القادمين إليها من جنوب الصحراء، واليهود الذين أتوا من مناطالنزاع ووجدوا في المواطن المغربي قمة في التسامح وتجسيداً لروح الدين الوسطي المعتدل....
وبالرجوع إلى الأستاذ خليل عيلبوني، فقد ألف مؤخراً كتاباً قيماً سماه «أبوظبي زمن البدايات» وهو من إصدار نادي تراث الإمارات، يتضمن معلومات مهمة عن تاريخ أبوظبي وردت في خمسة فصول تناول فيها: الإنسان، المكان، الإعلام، الحياة اليومية، الشعر والشعراء. موضحاً ومبيناً الملامح العمرانية والمجالات الإعلامية والاقتصادية والثقافية لأبوظبي. وهو من خلال ما تناوله ووثّقه يوجه المؤرّخين والمتخصصين إلى مقومات النجاح التي عفتها البلدة، ويأتي في طليعة هذه المقومات: القيادة الحكيمة التي خططت للإنتاج الفعَّال، ووظّفت عائدات البترول في البناء والتنمية. وجهود الرجال العظام الذين شاركوا في البناء. الكاتب خليل عيلبوني حاول جاهداً بكل ما يملك قلمه الإبداعي تسجيل المعلومات التاريخية لإمارة أبوظبي خلال الفترة التي أعلن فيها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيّب الله ثراه- قيام الاتحاد لتصبح أبوظبي بعدها نموذجاً يحتذى به، ورمزاً للعمل الدؤوب، ومثالاً للعزيمة والإصرار؛ فهي كانت بقعة جغرافية طبيعتها كغيرها، لتصبح اليوم من أجمل بقاع العالم بأسلوب حياتها، ونهج تطورها، وعراقة حضارتها.
يقول الدكتور إبراهيم أحمد ملحم في تقديم الكتاب: ليس المكان شيئاً جامداً ما دام الإنسان يتحرك فيه، فبفعل هذه الحركة يستنطقه، ويحاوره.. ويبقى قلبه معلقاً فيه، على الرغم من التغيرات التي تطرأ عليه بفعل العوامل الطبيعية، أو بفعل التعمير.. ويتابع قائلاً: تأتي أهمية الكتاب؛ فهو يتحدث عن زمن يمتد منذ عام 1971، فقد كان عيلبوني أول مذيع أعلن تأسيس الاتحاد، وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة عبر إذاعة أبوظبي. ومن المؤكد أن تعبير «زمن البدايات» الذي يردده عيلبوني كثيراً، يعني أمرين، الأول: زمن بداية حياته الشخصية في الدولة. والثاني: زمن إقبال الدولة على حركة بناء وتنمية قوية وشاملة بعد إعلان الاتحاد.