محمد آل الشيخ
العزلة والتهميش التي تعيشها قطر يبدو أنها ستطول، وربما تكلف القطريين أكثر مما كانوا يتوقعونه عند بداية المقاطعة. قطر من أجل أن تصمد أمام المقاطعة والتهميش وتبعاتها الاقتصادية والسياسية، اتخذت كثيرا من القرارات المتعجلة، التي كلفتها الكثير، ولم تحقق لها النتائج المرجوة. فهذه الدويلة التي كانت ملء السمع والبصر في فترتي الرئيس الآفل أوباما، ليست كذلك في عهد الرئيس الأمريكي الحالي ترامب. وبدلا من أن تتعامل مع وضعها الجديد بعقلانية، وتدرك أن المهام الموكولة إليها في عهد الرئيس السابق كانت طارئة، ولم تقم على أسباب استراتيجية، وأن فشل ما سموه الربيع العربي، وحكاية (الفوضى الخلاقة)، قد فشلت فشلا ذريعا، مازالت قطر تحاول أن تكابر وتصر على استعادة دورها، الذي لم ينته فحسب بتنحي الحزب الديمقراطي عن الحكم ، وإنما لأن دوائر صناعة القرار في أمريكا اكتشفت أن حجم قطر وتبنيها للمتأسلمين الإرهابيين، بغرض إلحاقهم فيما بعد بالمعسكر الذي تقوده القيادة الأمريكية قد فشل، وبالتالي يجب أن تعود قطر إلى ماكانت عليه قبل أحداث الربيع العربي. حمد بن خليفة الذي يمسك بمقاليد السلطة في قطر يبدو أنه تورم، وظن أن بإمكانه بما يملكه من أموال تكرار التجارب الثورية مرة أخرى، والعودة إلى التأثير في قرارات المنطقة، كما كانت المهمة الموكلة اليه من قبل أوباما. وهذا يمكن أن نطلق عليه بقدر كبير من العلمية أنه شبه مستحيل، حتى ولو عاد الديمقراطيون إلى سدة السلطة من جديد، كما ينتظر ويؤمل. قواعد اللعبة اختلفت اختلافا جذريا، فجماعة الأخوان المسلمين الذين تبناهم ووظف كوادرهم لتنفيذ مؤامرات ماكانوا يسمونها (الفوضى الخلاقة) لصالح أمريكا، هم اليوم يواجهون حربا وجودية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولم يعد خافيا على كثير من الذين كانوا يدعمونهم ويصفقون لهم ويراهنون عليهم ، انحدار شعبيتهم، وتدهور نفوذهم في الدول العربية إلى الحضيض؛ حتى أن كثيرا ممن ينتمون إليهم يتبرؤون منهم ، ويصرون على نقدهم في العلن، بل والتشنيع بهم؛ إلا أن حمد بن خليفة، مازال يصر على دعمهم ومناصرة كوادرهم والصرف عليها بسخاء أينما وجدوا؛ وهذا ما يعتبره كثير من عقلاء القطريين من باب الحمق والسفه والعناد غير المبرر، والسياسة هي دائما وأبدا ترتكز على ماهو ممكن، وليس ما يجب أن يكون. وكثيرون في قطر ممن شاءت الصدف أن التقيت بهم يعترفون بذلك؛ بل أن معلومات وردتي مؤداها أن تميم الأمير الصوري لقطر على قناعة بذلك، لأن الحاضر ومؤشرات المستقبل، لا توحي بأن المتأسلمين بمختلف أصنافهم هم اليوم مثلما كانوا بالأمس؛ وبالتالي فإن الإصرار على الرهان عليهم، وتحدي كل من يناوئونهم، كما يفعل والده، هو مضيعة للوقت والجهد والمال، لا سيما وأن إيران التي أشعلت جذوة التأسلم السياسي، وتحتضن وتمول كثيرا من عملياتهم، رغم التباين المذهبي، تمر الآن بظروف قاسية داخليا وخارجيا، وهي على حافة السقوط بعد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة، وإذا سقطت إيران، أو على الأقل غيرت من سلوكياتها، وانكفأت لإصلاح الداخل، تصبح قطر ومعها جماعة الأخوان مثل السفينة الصغيرة التي تتقاذفها الأمواج في المحيط، لا بد وأن تبتلعها أمواجه.
شعب قطر ومعهم فيما أرجح أميرهم تميم باتوا يشعرون أن رهانات حمد، أو قل الحمدين، ثبت أنها فاشلة، فهل يتحركون قبل الغرق؟
إلى اللقاء