د.خالد بن صالح المنيف
في إحدى الدول الأوربية وتحديداً في إيطاليا كان أربعة من العرب يعملون في شركة من كبرى الشركات, وكان أحد المحاضرين موجوداً هناك لإلقاء بعض المحاضرات التي حضرها هؤلاء, وبعد انتهاء إحدى لمحاضرات ألحّ هؤلاء على المحاضر ودعوه لمكان إقامتهم فلبى دعوتهم, وعندما وصل لمكان الإقامة ذهل من تردي وضع السكن؛ فقد كانت غرفة ضيقة تؤويهم وضيوفهم وحمام مشترك مع الغرف الثانية, كانوا يعيشون ضنكاً شديداً, وخلال الجلسة تساءل المحاضر قائلاً: لماذا لا ينتقلون لسكن أفضل؟ فكان الرد بالاتفاق أنهم يوفرونه لحين العودة لبلادهم والتي ستكون بعد سبع سنوات!
وسيكون أصغرهم عمراً قد جاوز الأربعين! فتعجب منهم وقال: من يضمن أنكم ستعيشون لذلك الوقت؟
ثانياً: أليس من ظلم النفس التي تتعب وتشقى أن تعيس في ضيق كل هذه الفترة؟
في بداية كتابه الخالد دع القلق وابدأ الحياة قال ديل كارنجي: كان المسيح عليه السلام يدعو كل يوم ويقول: ربنا يومنا يومنا خبزنا كفافنا!
من لوازم السعادة كما أكد المتخصصون أن تعيش حدود يومك وأن تستخلص منه أكبر قدر من الفائدة متعة وأنساً دون إخلال بمستقبلك, ولن أنسى رسالة وصلتني يقول كاتبها: ليس من العقل التبرم من سرعة مرور الوقت ولا من إبطائه؛ فسرعة مروره دلالة أنك ترفل في نعيم وصحة وأمن وأهل وأصدقاء ملؤوا عليك يومك فهذه نعمة تستحق الشكر, وأما تباطؤ الوقت فليس عندك أيها الحر الصحيح المعافى، بل هو عند المرضى والمبتلين والمنتظرين غائباً والمشرّدين والمساجين, وأحسب أن الساعة لديهم بيوم!
فاحمد الله دوماً وأبداً!
تحرّر من ذكريات الماضي الكئيب واكبح جماح عقلك ولا تدعه يسترسل في الخوض في تفاصيل الماضي ويكشف لك ملفاته السوداء، وكذلك لا تدع له مجالاً في أن يجمح وينطلق بك سراب الغد ويستجلب أوهاماً زائفة ويستجر أحمالاً ثقيلة!
لكي يزهر ربيع عمرك تعامل معه كيوم واحد, عش في حدوده وأحسن التعامل معه واصرف له كل اهتمامك واجعل من لحظاته سنين, متناسياً الماضي وآهاته والمستقبل وغموضه..
إذا كنت في منزلك فاسعد بدفء الأسرة!
وإن أكلت وجبة فتذوق كل لقمة باستمتاع!
وإن رأيت منظراً أو شممت عطراً زكياً أو سمعت نغمة مبهجة فاندهش له وخذ حقك منه!
دعك من القلق على الرزق فقد أقفل رسولنا - صلى الله عليه وسلم - باب الهم والتفكير في هذا الطريق بقوله: «ثم يكتب أجله ورزقه وشقي أو سعيد» وهذا كله في تمام الثمانين الأولى من ميلادك؛ فلماذا تشغل نفسك بالغد القادم، وكل ما فيه مكتوب؟!.. عش اللحظة بشغف.. ولا تحمل هم ما في الغد.. فالغد لم يولد، ومن الحماقة أن تعبر جسراً لم تصل إليه. يقول الشيخ الغزالي رحمه الله: إن العيش في حدود اليوم لا يعني تجاهل المستقبل، أوترك الإعداد له، فإن اهتمام المرء بغده وتفكيره فيه حصافة وعقل. وهناك فارق بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به، بين الاستعداد له والاستغراق فيه!
يقول اندرو ماثيوز: أن نعيش اللحظة يعني اتساع مداركنا لكي نجعل هذه اللحظة أكثر لذة ودون توقف وعندما نعيش اللحظة يعني أن طرد الخوف من عقولنا؛ فالخوف الحقيقي هو القلق من المستقبل!
وثق أن أفضل وسائل صناعة المستقبل, هي أن نركز كل التركيز في إنهاء مهام اليوم على أحسن ما يكون. أن نملأه فحسب، عطاءً واستمتاعاً وصلاحاً وخيراً وصفاءً وحباً.
عش يومك فحسب، ألم تسمع رسولك - صلى الله عليه وسلم - وهو يصوّت في مسمعك: «إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنظر الصباح»!
وقديماً كتب ستيفن ليكوك: (ما أعجب الحياة!! يقول الطفل: عندما أشب فأصبح غلامًا، ويقول الغلام: عندما أترعرع فأصبح شابًا، ويقول الشاب: عندما أتزوج، فإذا تزوج قال: عندما أصبح رجلاً متفرِّغًا. فإذا جاءته الشيخوخة تطلع إلى المرحلة التي قطعها من عمره، فإذا هي تلوح وكأن ريحًا باردة اكتسحتها اكتساحًا.. إننا نتعلّم بعد فوات الأوان أن قيمة الحياة في أن نحياها، نحيا كل يوم منها وكل ساعة).
استغل كل الفرص المتاحة لتعيش حياتك وتستمع بها وخذ بنصيحة الفيلسوف كازانتزاكي: إن كنت تملك الفرشاة والألوان فيمكنك أن ترسم جنتك! وثق أنك أحق بالاحتفال بيومك أكثر من الانتظار لغدك أو العيش في أمسك!