عرض - محمد المنيف:
نختم في هذا الجزء ما تضمنته المقدمة من متابعة محايدة من رجل عاصر ثقافة الوطن ومنها الفنون، وأسهم بدعمها بهذه الصفحة التي كما أشرنا في مقدمة الجزء الأول أنه خلف إنشائها من بين صفحات الجريدة، وأصبحت علامة بارزة بما تحظى به من تسهيلات لصدورها إلى أن أخذت موقعها الريادي محلياً وعلى مستوى الخليج.
يكمل الأستاذ خالد طرحه في مقدمة الكتاب مبتدئاً بما أشار إليه حول الفنانين الرواد، وما مر بهم من معوقات قائلا:
هؤلاء نجحوا بعد فشل معارضهم الأولى والمستقبل مشرق للفن التشكيلي. وفي ظني أن التركيز على تحديد التسلسل التاريخي للريادة في هذا الفن بين فنانينا ليس ذا أهمية، وأنه قد آن الأوان - وهذا هو الأهم - بالتوجه نحو التعاون مع مؤسسات عالمية ذات اختصاص (بتمويل من حكومة المملكة) لتقدم لنا مسحا علميا ودراسة فنية لكل اللوحات والرسومات التي تنسب للمبدعين من الفنانين السعوديين مصحوبة بتوصيات تكون ذات قيمة وقادرة على تعزيز مكانة الفنان التشكيلي السعودي بين الفنانين الكبار، بما يؤدي لاحقاً إلى نقله إلى العالمية في مجاله، وهذا الطموح ينبغي أن يرسخ في أذهان الفنانين ويزرع في عقول الصغار منهم؛ كي تتطور المهارات وتنمى المواهب بالشكل الذي يرسم خطوط المستقبل لهذا الفن وفق ما نريده ونتمناه بعد نصف قرن من الممارسة والتجارب، وحقن حب هذا الفن في عقول شبابنا، وكان ذلك خلال مرحلة مهمة راوحت بين النجاح والفشل، وبين الاهتمام أو الانصراف عن غرس حب هذا الفن في الأوساط الشبابية دون أن نفكر، ربما - بالمعالجة الحقيقية للمعوقات والدفع بهذا الفن نحو المستوى الأفضل، وعلينا فى ظل المناخ والبيئة والظروف التي ولدت فيها هذه المواهب عدم التقليل من حجم التحدي الذى واجهه الفنانون التشكيليون في بدء مسيرتهم الفنية، وأن نكون على يقين وعلم بأنه ما كان بإمكانهم التغلب على تلك المعوقات التي واجهوها لولا أنهم تعايشوا معها بالإصرار والعزيمة وعدم الاستسلام، وكان هاجسهم في كل هذا الوصول الى الأهداف التى خططوا لبلوغها، بدليل أن عبدالرحمن السليمان أشار في كتابه عن الفن التشكيلي إلى ما أسماه (السخرية والهلوسة) الفنية التي صاحبت الفنان عبدالحليم رضوي في أول معرض أقامه بمدينة جدة ولم يحضره سوى شخصين، وإلى معرض الفنان عبدالعزيز الحماد الذي لم يحضره أحد فمزّق لوحاته، ليكون ذلك منطلقهما نحو النجاح، حيث أقام الحماد ثلاثة معارض ناجحة في وقت لاحق، بينما كانت أعمال رضوي الفنية تزاحم المعارض الفنية للفنانين التشكيليين العالميين التي كانت تحتفي بها المتاحف في كل من إسبانيا والأرجنتين وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا وبريطانيا وأمريكا واليابان وإندونيسيا، وعدد آخر في الدول العربية وغير العربية تجاوز الثمانين معرضا، يعني أن انتساب الرضوي الى هذا المجال كان عن علم وموهبة، وكان انتسابا أصيلا ومتجذرا في استخدامه لمقومات وعناصر الإبدع والنجاح.
ومن يقرأ هذا السفر الكبير، الذي رصدت فيه مؤلفة الكتاب مسيرة الحركة الفنية التشكيلية السعودية (النشأة - والتطور) سيتبين له مدى الجهد الذي بذلته الأخت سمر النصار، بما يمكن اعتبار كتابها واحداً من أهم المصادر التي يُعتدّ بها للتعرف على الفن التشكيلي بالمملكة العربية السعودية، حيث التوقف عند الأسماء الكبيرة من الفنانين السعوديين، والتحليل الفني لإبداعاتهم، وتقديم تعريف فني لتوجهاتهم، مع الاهتمام بالتواريخ والمحطات والإنجازات والتطورات التي رافقت مسيرة كل واحد منهم، بأسلوب شيق وعبارة سلسة، بموضوعية في الطرح، وحرص على أمانة النقل، واعتماد جيد على المصادر المؤتمنة في كتابة تاريخ الحركة الفنية التشكيلية في المملكة.
غير أني كنت أتمنى من المؤلفة لو أن كتابها اقتصر على تقديم الدراسة أو البحث عن الحركة الفنية التشكيلية في المملكة فقط، وهي كما قرأتها دراسة وافية وموسعة ومهمة، وتستحق أن يكون الكتاب عنها، عوضا عن أن تتحدث المؤلفة بإسهاب عن تاريخ هذا النوع من الفنون على امتداد العالم؛ حيث أخذ مساحة ربع صفحات الكتاب وستة أبواب من الأبواب السبعة، بينما اقتصر ما كُتب عن الفن التشكيلي السعودي على باب واحد هو الباب السابع، وإن كان ذا فصول كثيرة وصفحات متعددة، على أن وجهة النظر هذه لا تلغي ضرورة أن يكون هناك مدخل للكتاب للتعريف بالفن التشكيلي العالمي، مع التفكير بمشروع آخر يقتصر على قيام المؤلفة بتأليف كتاب عن الفن التشكيلي العالمي بعد صدور هذا الكتاب عن الفن التشكيلى السعودى، وهذه الملاحظة لا تقلل من جهد الأخت سمر، ولا من القيمة العلمية الكبيرة لكتابها الذي ربما احتاج عند طباعته إلى تبويب أفضل، وإلى لمسات فنية كي يبرز عملها بصورة تتواءم ومستوى المعلومات والصور التي سيرى القارئ تميز الكتاب بها، على أن هذا النوع من الكتب المتخصصة، سيما حين يكون عن حركة فنية حديثة النشأة ومحدودة المصادر كالحركة التشكيلية السعودية التي أقدمت الزميلة سمر النصار على تأليف كتاب عن مسيرتها، يقتضي أن نلتمس العذر للمؤلفة فيما لو وجدت ملاحظة أو وجهة نظر تخالف آراء لها وردت في كتابها، وهذا يقتضي - بالتأكيد- المراجعة من جانبها لما يكتب عن الكتاب بعد صدوره، ومن ثم التصويب وفقا للملاحظات التي قد ترد إليها أو يكتب عنها لتتلافاها في الطبعات القادمة من الكتاب.
أدعو الجميع إلى قراءة هذا الكتاب للتعرف على الحركة الفنية التشكيلية بالمملكة، مع كل التمنيات بالرواج والانتشار للكتاب الذي أثق بأنه سيكون إضافة جديرة بالاهتمام لما كتب عن الفن التشكيلي، والدعاء بالتوفيق لمؤلفته الزميلة سمر النصار في مشوارها القادم مع عالم التأليف.