أحمد بن عبدالرحمن الجبير
أهم ميزات ميزانية المملكة للربع الثاني من العام 2018م، إنها ميزانية ذات معايير مهنية، وعلمية حديثة ومؤشرات، وبيانات ذات شفافية، وإفصاح مالي وحوكمة، وتم فيها ضبط برامج التوازن المالي، حيث بلغت الإيرادات مبلغ 273.58 مليار بارتفاع 67 %، وبلغت الإيرادات غير النفطية 89.42 مليار ريال بنسبة ارتفاع 42 %، والإيرادات النفطية 184.16 مليار ريال بنسبة نمو 82 % مقارنةً بالربع المماثل من العام الماضي.
هذه الشفافية كانت غير موجودة، وجعلت المواطن، والمحلل المالي غير قادر على فهم سليم لبياناتها التي تقرأ بعدة أوجه ومجالات، غير إن ميزانية اليوم مختلفة، وسبب الاختلاف هو المنهج الاقتصادي، والسياسي الجديد للدولة، وسياسة المتابعة المباشرة من لدن سمو ولي العهد الأمين - حفظه الله -، وأيضاً متابعة كوادر وزارة المالية الذين منحتهم السياسات الجديدة إمكانية العمل بشكل علمي وشفاف، لدرجة تجعلنا نثق بهذه النخبة الفذة من شبابنا، وعلى رأسهم معالي وزير المالية، فهناك نمو واضح للإرادات، وتحسن كبير في كفاءة الإنفاق، حيث بلغت المصروفات 280.95 مليار ريال، وانخفض عجز الميزانية نتيجة نمو الإيرادات إلى 7.36 مليار ريال، وجاءت إيرادات الميزانية للنصف الأول مبلغ 439.85 مليار ريال والمصروفات 481.54 مليار ريال.
فتصحيح الأوضاع الاقتصادية ليس أمراً سهلاً، ولا يمكن ترك أمورنا دون تخطيط، فالسنوات التي مضت لم يوظف فيها الوافر بالشكل المطلوب، وبعضه قد ذهب هدراً في مشروعات غير إنتاجية والمشروعات التي تمت ليست بمواصفات عالية إلا القليل منها، لأنها لم تركز على الإنتاج والصناعة والاستثمار، وعليه جاءت الرؤية السعودية 2030م، التي تركز على تنويع مصادر الدخل، وجذب الاستثمار الأجنبي، والخصخصة والاستثمار في الاحتياطي.
والمؤمل أن تستمر هذا الإصدارات الربع سنوية لميزانية المملكة للسنوات المقبلة، لتحسين الأداء والشفافية، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي ومراقبته، وإيجاد المزيد من الإيرادات غير النفطية عبر الخصخصة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، ودعم التصنيع، ودعم ثقافة الاستهلاك، وترشيده قبل أن نصدم بمتطلبات المستقبل بزيادة عدد السكان، والبطالة وارتفاع الأسعار الحاد، وتآكل الدخول ومخاطر الاقتراض غير الإنتاجي.
فالتفكير في المستقبل ليس مهمة الدولة فقط، بل مهمة القطاع الخاص، والشركات العملاقة والمؤسسات الخاصة والمدنية، والخبراء والمستشارين، وصنّاع الرأي مما يدفعنا إلى تعزيز المشاركة الجادة مع القطاع الخاص، لدعم التنوع الاقتصادي، والاستثمار الأمثل للموارد وبخاصة البشرية وعدم الاعتماد على النفط، ولا يمكن تحقيق ذلك بسهولة، ولا بد من تقديم تنازلات عديدة، وعلينا كمواطنين أن نقف مع بلدنا، وقيادتنا في هذه الظروف.
فتوجيهات خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- تنص على الاهتمام بالمواطن، والاستماع لشكواه وعمل حلول عاجلة لتوطين الوظائف والتضخم، وغلاء الأسعار، والبطالة والإسكان، والخدمات الصحية، وترشيد استهلاك الماء، والكهرباء والطاقة، وهذا يتطلب منا مزيدًا من الشفافية، والمسؤولية وتفعيل دور نزاهة، ومجلس الشورى لمكافحة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، ومراقبة المال العام والصرف على المشروعات، والتعيينات في المناصب. وكلنا أمل وثقة بأن النهج الاقتصادي الجديد، الذي يلقى متابعة حثيثة من سمو ولي العهد الأمين سيأتي بنتائج إيجابية، وإنّ أي أخطاء أو ثغرات - إن وجدت- لن تؤدي إلى تراجع المملكة عن توجهاتها بتخليص القطاع العام مما يثقل كاهله، وترشيد الاستهلاك، وتعزيز ثقافة الادخار والاستثمار، ودور القطاع الخاص في إطار توجهات الرؤية السعودية 2030م، مع الأخذ بالاعتبار بأن إصلاح الخلل في المنهجية الاقتصادية، وتحقيق التحول الاقتصادي يحتاج لسنوات طوال حتى تأتي نتائجه.