د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
حين أقرأ عن الأحداث التأريخية التي قبل دخول الحجاز تحت ولاية الأسرة المباركة آل سعود في دولتهم الأولى إلى دخولها تحت ولاية الملك الملهم والإمام العدل الصالح عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- رحمه الله-، وما مرَّ على كثير من قاصدي حرم الله وحاجي بيته، يتملكني العجب مما جرى لأولئك الحجاج وما نالهم من خوف وذعر، وأحياناً ليست قليلة من تضييق وأذى وأخذ أموال وتسلط من قبل بعض مَنْ كان له سلطة -قبل آل سعود- حتى ضج كثير من الناس بسبب ما لحقهم من رَهق، زيادة على وعثاء السفر، وتعب الطريق.
ومن نظر في عدد من الكتب بان له ذلك، فقد كتب «سنوك هِرْكرونيه» المستشرق الهولندي والذي تسمى بعد إسلامه على قول «بعبدالغفار» في كتابه صفحات من تاريخ مكة، والذي أظنه أفضل من كتب عن تلك الحقبة الزمنية التي عاشها، وقد صوَّرها تصويراً جيداً، وقد اقترحتُ على الشيخ سعد الحصين- رحمه الله- حين دللتُه على الكتاب: أن يختصره، فلما قرأه أُعجب به، وكتب عنه مقالاً، نُشر في صحيفة الجزيرة قبل وفاته بيومين فقط، وما زلت أقترح أن يُجمع من كُتُب المستشرقين الصادقين في قلمهم، المنصفين في كتاباتهم كسنوك»عبدالغفار» كلما يتعلق بدعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب- رحمه الله- ويتم ترجمتها إلى عدة لغات، وترتب على ترتبهم الزمني، فعبدالغفار كان في زمن الإمام المجدد، وعايش دخول الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد مكة.
ومن الجمل الواردة في الكتاب:[(ظهر في شرق جزيرة العرب مصلح للإسلام، وسانده أمراء الدّرعيّة ثم آمنت بدعوته كلّ مراكز الجزيرة العربيّة) (وأهم ما أثار الغيرة الدّينيّة لدى محمد بن عبد الوهاب: الخطر الذي تسلّل إلى عقيدة التّوحيد عن طريق تقديس الأولياء فكان [الدّعاء] والاستعانة والاستغاثة بالأولياء [الأموات أو الغائبين] عند الأكثرين الجسر الذي يعبرون منه إلى الشرك وعبادة أكثر من إله، وكان تساهل العلماء في إنكار ذلك من أهمّ أسباب زيادة هذه المنكرات وانتشارها).
(إنّ رسل الله وأولياءه لا يستطيعون بعد موتهم أن ينفعوا أو يضرّوا أحداً، فالأمر لله وحده، وتقديس المقامات والأضرحة هي من عمل الشيطان وكانت المدينة تدنّس بتقديس قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وقبور أصحابه الكرام، وتنقية الإسلام تستلزم القضاء على مثل هذه العادات الشّركيّة... لقد التزم محمد بن عبد الوهّاب بالإصلاح وجعله هدف دعوته وكان رائده الإخلاص في القول والعمل، وسخّر لذلك لسانه وقلمه، وجعل مدرسة الإمام أحمد بن حنبل أساساً لدعوته المدعومة بسيوف آل سعود)].
ومن نظر في «كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار» للمؤرخ المصري الجبرتي ، أو كتاب المؤرخ الدمشقي أحمد البديري «حوادث دمشق اليومية» علم صدق المقال فيما جرى على كثير من الحجاج من العنت والظلم..
حتى قال أحمد شوقي الشاعر المشهور في قصيدة له يشكي من الحال مخاطباً السلطان العثماني حينها:
ضج الحجاز وضج البيت والحرم
واستصرخت ربها في مكة الأمم
قد مسها في حماك الضر فاقض لها
خليفة الله أنت السيد الحكم
أهين فيها ضيوف الله واضطهدوا
إن أنت لم تنتقم فالله منتقم
أفي الضحى وعيون الجند ناظرة
تسُبى النساء ويؤذي الأهل والحشم
ويُسفك الدم في أرض مقدسة
وتستباح بها الأعراض والحرم
وقد منَّ الله على أهل الحرمين الشريفين وقاصديهما بولاية سخرت الطاقات، وذللت الصعوبات، وبذلت الجهود ما استطاعت، جهود دينية، وطبية، وخدمية، وأمنية، وسّعت الجمرات وجُعِلتْ أدواراً، وهُيِّئت المشاعر، واتسع الحرم لقاصديه أضعافاً مضاعفة، أعمال جبارة، وجهود عظيمة، لا يملك المسلم الصادق إلا الدعاء لولاة أمر هذه البلاد الأحياء منهم والأموات.
وحين رُشحت للمشاركة في التوعية الإسلامية في الحج التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية قبل سنوات ما بين مركز توعية لمدة سنتين ثم اللجنة العلمية لإجابة السائل، عرفتُ خلال هذه المدة ما تبذله الجهات الحكومية من جهد كبير وكثير لحجاج بيت الله ووافدي حرمه، هي جهود غير مرئية لكثير من الناس؛ إذ المقصود القيام بذلك ديناً وعملاً صالحاً لا يُتطلب من ورائه ثناء من مخلوق، بل نحسب الأعمال التي تقدم لله.
وفي حج هذه السنة 1439 طُلب مني كلمة في حفل وزارة الشؤون الإسلامية في منى بجوار مسجد الخيف ليلة الثاني عشر يحضره الوزير ونائبه والوكلاء وكثير من أعضاء التوعية الإسلامية، فكتبتُ الكلمة بعد ظهر ذلك اليوم، وكان الكلمة: (الحمد لله حمداً حمداً، والشكر له شكراً شكراً، والصلاة والسلام على أشرف رسل الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
صاحب المعالي الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، معالي الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد، أصحاب المعالي والفضيلة أهل العلم والفتوى أيها الحضور المبارك: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته: أما بعد:
فالحمد لله الذي أظهر أمننا، ويسر حجنا، وأحسن عيدنا، وكبت حاسدنا، ومن كل ما سألناه أعطانا.
صاحب المعالي أيها الحضور الكريم: إن ما قامت به المملكة العربية السعودية تحت قيادة إمامها وقائد مسيرتها خادم الحرمين الشريفين ومتابعة من ولي عهده الأمين وما تقوم به لهو غاية العز والشرف فقد حازوا المجد قياماً بالإسلام وحقوق المسلمين واهتماما بقضاياهم، فلله در خادمُ الحرمين الشريفين من حاكم مسدد بإذن الله قد أحله الله في أشرف موضع وأزكى عمل في نصرة التوحيد وإعلاء كلمته، خدموا بيته وحرمه، ومن قصدهما، وقدموا خدمة من أعظم الخدمات في التأريخ.
وإن ما تقوم به وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد من عمل وجهد لهو من تلك الخدمات، ومن جليل الأعمال، فالحاج أتى ليكون حجه مبروراً، سالماً من المخالفات والمحظورات، ووزارة الشؤون الإسلامية تعينه على ذلك، وترشده إلى طريقه.
وما تقوم به التوعية الإسلامية في الحج نحسبه عمل صدقٍ، ظهر نفعه، وبان خيره، غرس شجرتها سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، والآن يقود زمامها الوزير الملهم بإذن الله.
أيها الوزير : إنما هي أعمالكم تثني عليكم، وتشهد لكم.
وحقيقة تسجل تأريخاً ما قمتم به في شهرين يمكث غيركم لعمله في سنتين...
صاحب المعالي حضورنا المبارك إن ما قامت به الوزارة من عمل فاق التطلعات في كافة النواحي والمجالات.
وإن أعضاء التوعية الإسلامية خاصة اللجنة العلمية مع تلك النقلة النوعية والخدمية والفنية ليستشعرون مضاعفة الجهد مرتين لقاء ما وجدوه من اهتمام خاص من معاليكم...
فهذه الوزارة التي قدتم زمامها هي وزارة لم تشرق الشمس على مثلها في العصر الحديث دعوة للتوحيد وإرشاداً للسنة.[وهذا هو هدفها وهو مقصودها].
صاحب المعالي أيها الحفل الكريم:
إن من حق ولي أمرنا الدعاء له: اللهم سدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده، واحفظهما بحفظك، واكفهما همهما، وأعز بهما دينك، وأعل بهما كلمتك، وانصرهم بالرعب على أعدائهم، واكبت شانئهم.
ختاماً: حفظ الله معاليكم وسددكم وألبسكم لباس عز، وسربلكم سربال مجد، ورزقكم الرأي السديد، والعمل الصالح الرشيد، والبطانة الصالحة الناصحة، وجزى الله كل العاملين في هذه الوزارة خيراً، وبارك في جهودهم.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد..).
ومما تجدر الإشارة إليه، والتأكيد عليه، أن وزارة الشؤون الإسلامية وزارة مشرقة ولما تولى سدتها معالي الدكتور عبد اللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ زادت إشراقاً بإذن الله، وما لقيت أحداً من أعضاء اللجنة العلمية في مبنى الخيف إلا ويدعو له بالتوفيق والسداد، لقاء ما وجدوه من عناية خاصة.
وجهود معالي النائب الدكتور الخلوق توفيق بن عبدالعزيز السديري جهود لا تنسى.
وجزى الله كل العاملين لخدمة الحجيج خيراً، وتقبل من الجميع طاعاتهم.