د.محمد بن عبدالرحمن البشر
حكومة إيران محتارة في الاقتصاد، ومحتارة في السياسة، ومحتارة في الاجتماع، ومحتارة في الثقافة، وهي في ذلك كله لاتعرف أن تسير، ولا أين تتجه، وأي الدروب تسلك، وعلى أي الركائز تتكئ، فلا شيء يساعدها وعلى نفسها جنت براقش، حكامها يعرفون أنها دولة ذات تاريخ، بغض النظر عن ماهيته، وهي تعرف أن العالم يريدها أن تثوب إلى رشدها لعلها تنظم إلى مسيرة مع جيرانها، لكن هيهات، وقد كبلت نفسها بوهم باعته لشعبها فأصبحت أسيرته، لايمكنها البراءة منه بسهولة، فهو الأداة الفاعلة لثباتها في الحكم، وهو السراب الذي رآه الإيرانيون ماء، بل هو السراب الذي يأبى على القابض، ولعل من المناسب استعارة جملاً قالها ابن زيدون في رسالته الجديدة، وإن كانت لغرض مختلف، فها هو الشعب الإيراني يشيم خلياً أي ينتظر سحاباً ويستمطر جهاماً، أي أنه يستمطر سحاباً لا مطر فيه، ولن تكون هذه سحابة صيف على الشعب الإيراني وتجلى، فهاهم يغصون بالماء الذي شربوه، ومازعمه حكام إيران بثورتهم دواء يستشفى به أصبح داء عضالا، وكفي الشعب تجلداً، فقد صبروا صبر من تجاوز شماتة الشامت، لكن الدلاء قد أبطات وبعد أن ظهرت اتضح نضوبها ، فلا سحاب قد حفل بماء بعد أن ثقل في مشيته، ولا حياء صادف جدياً، ولاشراب أصاب غليلاً، فقد حلم الشعب، لكن استمراء الخطأ قد جاوز مساحة حلم الحليم، وحكمة الحكيم.
لقد بلغ السيل الزبى، ونال الشعب ما ناله وكفى، وقد كان شمعة منصوبة تحترق إضاءت للحكام مباهج الدنيا واحترقت، فلم يعلم قادة إيران أن في كل شجرة مضرم نار، وأن الأمر لا يستدرك بعد النفاد، قد استفدنا من رسالة ابن زيدون وفيها تمام المنون، ونقف عند هذا، وفي النفس دلاء لا تنضب، وسحائب لا تحجب، لا تحتاج إلى أيونات الفضة، فهي بالماء مكتضة.
إيران أصبحت اليوم أضعف حالاً، وهي تعلم المآل، لكنها تداري وتواري، وكل يوم يمر هو مكسب لمن يقود هذا الشعب المغلوب على أمره، حاولوا جهدهم أن يوقفوا تدهور العملة واستخدموا في ذلك كل الأدوات المتاحة وهي قليلة، فقد اتسع الرقع على الراتق، وما من شيء سيوقف تدهورها، طالما أن الميزان التجاري أوسع من أن ترممه بعض الإجراءات، كما أن السبل قد أوصدت في وجه الاستثمارات، مع نقص في الصادرات، وزيادة في الواردات، وسوف يتبع ذلك البحث عن قروض أو مقايضه، وهذا صعب المنال في ظل حصار شديد، وماهو قادم أشد وأقسى، لاسيما إن طرق باب النفط الذي يمثل أكثر من تسعين في المئة من ميزانية الدولة، ولولا اجتهاد الشعب الإيراني الصبور، الذي يكتفي بحد الكفاف للمطعم والمشرب، لكانت الكارثة أكبر مما هي عليه اليوم، لكن ذلك لن يدوم فللصبر حدود.
إيران اليوم محتارة في السبل التي يمكن الأخذ بها للحد من انهيار العملة، وخفض والبون الشاسع بين الصادرات والواردات، وجلب الاستثمار، ومصادر التمويل، ورفع معدل النمو، وجميع هذه المشاكل حلها شبه مستحيل، بل هو مستحيل حقاً، ونحن قد رأينا دولاً قد انخفضت عملاتها بأرقام مليونية، ويحاولون تغيير العملة، وأصبحت في ضائقة لايمكن تجاوزها، فأصبح أبناؤها يبحثون عن اللجوء هنا وهناك.
إيران أمامها حل واحد يمكنها أن تأخذ به لتتجاوز مشكلاتها، وهو التخلي عن التدخل في دول المنطقة، والبعد عن نشر الأيدولوجية، والسماح للشعب الإيراني بالتعبير عما يريد، فلديه ثقافة محكومة برأي قادته، وليس بقناعته، والمجتمع الإيراني تواق إلى أن يعيش، مثل غيره، ويساهم في أمن المنطقة، ونشر السلام في ربوعها.
إيران عليها أن تتوقف عن دعم الميليشيات هنا وهناك، وأن يعرف الشعب الإيراني أن ذلك لا طائل منه، ولاخير يرجى من ورائه، وأنه إنما هو مضيعة للمال والجهد، على أكتاف هذا الشعب البائس المغلوب على أمره.
أليس أمام إيران نماذج مميزة في المنطقة ذاتها، كما هي المملكة العربية السعودية وغيرها، والتي ينعم شعبها بالأمن والاستقرار والنماء ملتفاً خلف قيادته في المسيرة إلى المزيد من التقدم والتطور للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة في العالم.