د. محمد بن يحيى الفال
في السادس من شهر سبتمبر ستشهد مدينة جنيف السويسرية محادثات هي الثانية التي تُجرى في هذه المدينة بين الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الانقلابيين الحوثية، وذلك برعاية من الأمم المتحدة، وبإشراف من قِبل ممثلها في اليمن الدبلوماسي المحترف البريطاني مارتن جريفث. شهدت المدينة محادثات انتهت بالفشل في السابق بين الطرفين للفترة الواقعة بين 16 و19 يونيو 2015، وذلك بعد أقل من ثلاثة أشهر من بداية عاصفة الحزم. وتلت هذه المحادثات التي فشلت محادثات أخرى، رعتها الحكومة الكويتية مشكورة، واستمرت ثلاثة أشهر، وأدارها حينها مبعوث الأمم المتحدة لليمن وزير الخارجية الموريتاني الحالي إسماعيل ولد الشيخ من شهر يونيو حتى شهر أغسطس 2016، وفشلت هي الأخرى بسبب تعنت الحوثيين كما هو الحال دائمًا. تأتي المحادثات القادمة بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على بداية الأزمة اليمنية التي أشعلها انقلاب جماعة الحوثي على الشرعية اليمنية المتمثلة في الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته الشرعية المعترف بها دوليًّا. وتأتي المحادثات المرتقبة كذلك بعد أن مرت الأزمة اليمنية واليمن نفسه والمنطقة، بما في ذلك نظام الملالي عراب جماعة الحوثي، بالكثير من التقلبات والأحداث العسكرية والسياسية التي ستكون حاضرة وفارضة نفسها على المحادثات القادمة. هناك حقائق عديدة يجب أن يعيها كل من نظام الملالي في طهران وجماعة الحوثي الانقلابية في صنعاء والجماعة تستعد لخوض هذه المحادثات: أولاً: إن التحالف العربي لإعادة الشرعية متمسك بعودة الشرعية اليمنية لليمن، وذلك من خلال تطبيق القرارات الدولية بهذا الخصوص التي أهمها القرار رقم 2261 الذي صدر تحت البند السابع، والذي يسمح باستخدام الطرق والأساليب الممكنة كافة، بما فيها التدخل العسكري، لإنهاء الانقلاب على الشرعية اليمنية، وذلك وبأغلبية ساحقة لأعضاء مجلس الأمن الدولي بأربعة عشر صوتًا، ومع امتناع روسيا عن التصويت. وجاء القرار بعدد من البنود الكافية لإنهاء الصراع في اليمن لو التزمت جماعة الحوثي به. وشدَّد القرار على حظر توريد السلاح لجماعة الحوثي الذي ما زالت إيران تنتهكه على مرأى ومسمع من العالم الذي يقف متفرجًا على ذلك بالرغم من أن سلبية العالم في هذا الاتجاه أثرت في الآونة الأخيرة حتى في سلامة إمدادات النفط له عبر مضيق باب المندب الذي يتعرض لهجمات إرهابية بين الفينة والأخرى من قِبل الانقلابييني صنعاء. وشدد القرار كذلك على التوقف عن تجنيد الأطفال من قِبل الحوثيين الذين أضحوا هم وقود الحرب، والذين تزج بهم جماعة الحوثي في أتون الحرب منذ اندلاعها، وقامت المملكة بخطوة إنسانية، تندر مثيلاتها في النزاعات العسكرية، بإعادة تأهيل أعداد كبيرة منهم، وعلاجهم نفسيًّا وسلوكيًّا من تبعات الحرب. تطرق القرار كذلك إلى أن تكف جماعة الحوثي عن تهديد دول الجوار، وهو الأمر الذي لم يحدث قط، وذلك باستمرار الجماعة في إرسال شرها من الصواريخ الباليستية على المناطق الآهلة بالسكان في المملكة والإمارات التي يزودها بها عرابها في طهران، وبشكل لا ينقطع، وفي انتهاك صارخ للقرار ولكل المواثيق الدولية.
ثاني الحقائق التي يجب أن يعييها الحوثيون وعرابهم في طهران أن المملكة لن تقبل بأي شكل من الأشكال بأن تسمح لجماعة غير شرعية بالاستيلاء على السلطة في عمق أمنها الاستراتيجي المتمثل بخاصرة الأمن العربي (اليمن الشقيق)، وهي الجماعة غير المعترف بها دوليًّا، وتزوَّد من قِبل قوة معادية بأسلحة تدميرية يشاهد العالم أثرها الإجرامي في قصف المناطق الآهلة بالسكان في المملكة. ولقد أكد العديد من المسؤولين في المملكة هذا الأمر، وكان آخر من أكد ذلك سمو سفير المملكة في واشنطن الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز.
ثالث الحقائق التي يجب أن تعيها جماعة الحوثي وهي تجهز نفسها لخوض المحادثات القادمة هي أن زمن التسويف قد انتهي؛ فلا وضعها العسكري على الأرض يسمح لها بذلك، ولا الصبر الدولي على جرائمها وانتهاكاتها يعطي لها فرصًا لمناورات هي من صميم ديدن عرابها في طهران الذي يبدو أنه قام بتوكيل ذنبه في الضاحية الجنوبية من بيروت المدعو نصر الله بمقابلة وفد من جامعة الحوثي، زاره ليعطي له دروسًا في فنون الكذب والخداع والتسويف لاستعمالها خلال المفاوضات المترقبة في جنيف. على جماعة الحوثي أن تتذكر أن هناك إطارًا عمليًّا لدخولهم المفاوضات القادمة، سوف يسهل على الجميع الوصول إلى حل للأزمة اليمنية. وهذا الإطار يتمثل في المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني اليمني التي وافق عليها الحوثيون أنفسهم.
رابع الحقائق التي على الحوثيين أن يعوها تمامًا وهم ذاهبون لمفاوضات جنيف أن لعبة ورقة معاناة المدنيين في اليمن من جراء الحرب لن تنفعهم؛ فالعالم يعرف ويجب أن يتم تزويده بكل الحقائق عن وضع المدنيين ومعاناتهم من الصراع العسكري في اليمن، وأن جماعة الحوثي هي الجهة التي تنتهك بشكل منظم حقوق المدنيين في اليمن من تجنيد لأطفالهم، ومن قصف للمنشآت الطبية والمناطق الآهلة بالسكان، وحصارهم، ومصادرة الإعانات الموجهة لهم.. ولمواجهة هذا الموضوع ذكرت بعض المصادر الصحفية أن المملكة بصدد توزيع ورقة بيضاء(White Paper)، تتضمن قائمة حقائق مدعومة بالأرقام عن حج المساعدات التي قدمتها المملكة وتقدمها منذ عقود من الزمن لليمن، ودعمها لخططه التنموية، وفي المجالات كافة، على أن توزع هذه الورقة البيضاء خلال مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستبدأ دورتها الثالثة والسبعين في 18 سبتمبر، ولاستصدار قرار من الجمعية العامة يثمن ما تقدمه المملكة من مساعدات لليمن، سواء كان ذلك في زمن السلم أو في زمن الحرب، وتضمين الورقة البيضاء وضع الجالية اليمنية الشقيقة التي تعيش في المملكة، إنهم إخوة مرحب بهم في بلدهم الثاني، وبغض النظر عن ظروف الحرب، على أن يتضمن القرار طلبًا بالتزام فوري من قِبل جماعة الحوثي بالقرار الأممي رقم 2216، وأن الجماعة هي من وراء المعاناة التي يتعرض لها المدنيون في اليمن، مع إدانة لنظام الملالي لتزويده الحوثيين بالأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية. هذه الخطوة وإن صحت فهي في المسار الصحيح، وفي غاية الأهمية، وخصوصًا في عصرنا الحالي الذي كثر فيه نشر الشائعات المغرضة من قِبل الجهات المعادية، وذلك من خلال منصات التواصل الاجتماعي التي لم تعد وحدها مصدرًا لهذه الشائعات المغرضة، بل أضحت مؤسسات تدعي الحيادية، وهي بعيدة عنها كل البُعد، كمنظمة العفو الدولية التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرًّا لها، وتنشر بشكل ممنهج معلومات كاذبة باستمرار عن وضع المدنيين في اليمن، وتروج بأن المملكة من وراء المعاناة التي يتعرضون لها، وهو الأمر الذي ينافي الحقيقة جملة وتفصيلاً.. ولا يُستبعد أنها مخترقة من جهات معادية للمملكة، تقدم لها مساعدات مالية ضخمة بشكل غير مباشر عن طريق أطراف ثالثة لنشر تقارير مغلوطة ومليئة بالأكاذيب عن الوضع الإنساني في اليمن.
الحقيقة هي أن اهتمام المملكة بالوضع الإنساني في اليمن كان هو السبب الرئيس لقيامها مع نشوب الحرب بتدشين أعمال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. ولم يحدث مثل هذا الأمر في تاريخ الصراعات العسكرية أن تقوم دولة تخوض حربًا مع جهة معادية أن تنشئ مركزًا متخصصًا من قِبلها، وتصرف عليه مليارات الدولارات للحد من المعاناة التي يتعرض لها المدنيون في زمن الحرب. ولم يكن قرار المملكة إنشاء المركز آتيًا من فراغ، بل من معرفتها الأكيدة بأن الجهة التي تواجهها في حرب إعادة الشرعية اليمنية المتمثلة بجماعة الحوثي هي جهة من آخر اهتماماتها ما يتعرض له المدنيون من معاناة بسبب الصراع العسكري؛ فجُل همها هو حفاظها على السلطة التي اغتصبتها، والاهتمام - إن وُجد - بالمواليين لها فقط، ليس إلا.
محادثات جنيف القادمة بخصوص الأزمة اليمنية قد تكون بمنزلة الفرصة الأخيرة لجماعة الحوثي للوصول إلى حل سياسي لهذا الصراع الذي يعاني منه كل أهلنا في اليمن، سواء مَن هم داخل اليمن أو مَن هم في خارجه. فهل يعي الحوثيون هذا وهم المؤدلجون بأجندة كهنوتية، والمنقادون لعرابهم في طهران بلا فكر ولا بُعد جيوسياسي، يجعلهم يعيدون قراءة الصراع في اليمن من جديد، يضعون فيه مصلحة الشعب اليمني فوق أي اعتبار آخر؟!