سعد بن عبدالقادر القويعي
أكثر من 500 عالم، ومفكر، مَثّلوا علماء الأمة الإسلامية من 76 دولة حول العالم، في مؤتمر: «مفهوم الرَّحمة والسَّعة في الإسلام»، والذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في منى، أكدوا في توصياتهم على ضرورة تطوير آليات، ووسائل، وأساليب الخطاب الديني، مع المحافظة على ثوابت الهوية، بما يراعي فوارق الزمان، والمكان، والأحوال، ويتلاءم مع راسخ الإسلام، ويعالج مشكلات المجتمعات المعاصرة، - لاسيما - وأن الإسلام برحمته الواسعة، والشاملة، وتجربته الحضارية الفريدة، ومرونته المشروعة، ينسجم زمانًا، ومكانًا، ويتعايش، ويتعاون مع الجميع، وذلك بشهادة واقعات التاريخ الموثقة، لا المنتحلة على الإسلام، والمسلمين.
إن ثورة العولمة، والاتصال التي نعيش واقعها - اليوم -، تفرض تعديلاً جوهريًا، وتطويرًا للخطاب الدعوي، وضرورة مراجعة التراث الفقهي مراجعة استفادة، وتمحيص، - سواء - ببيان حكم الإسلام في النوازل المستجدة، أو بتنزيل الحكم الشرعي على الواقع المعاش؛ من أجل التواصل مع الآخرين، وإعداد صياغات متطورة؛ لتمثيل الإسلام، وممارسته بشكل حقيقي، وعملي، واستيعاب مشكلات العصر، وأبعاده؛ باعتبار أن دين الإسلام صالح لكل زمان، ومكان، بعيدًا عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
بعيدًا عن استغلال قضية التجديد كوسيلة للتشويه بأصول الإسلام، وثوابته، فإن تفعيل تطوير الخطاب الديني، والعمل على اختيار الوسائل التي نسلكها في إيصاله للناس، تبقى سنة ماضية، فالحياة بطبيعتها متجددة، لا تعرف الجمود، ولا السكون، وإنما هي في حركة مستمرة، تعتري كل شيء، - وبالتالي - فإن التجديد يقتضي قدرًا واسعًا من المرونة، والفاعلية في شمولية النظر إلى المعاني، والمقاصد الكلية للدين، واستدعاء منظومة الإسلام الفكرية، والحضارية، والحياتية؛ لتواجه التحديات الكبرى التي نواكب أحداثها، وبناء جيل يتسلح بأعلى درجات الوعي؛ لبناء وطنه بناء مثمرًا على منهج القرآن الكريم، والسنة النبوية، ويحمل رسالة الإسلام بعلم، وقوة، وبصيرة.
بقي القول: إن أصول الدين، وثوابته، وقواعده، لا تقبل التجديد بأي حال من الأحوال. وغير ذلك لا بد أن يرتكز على ضوابط تحكمه، ويلتزم بها، ويرسخ على أصول يتأسس عليها، وذلك من خلال الاستفادة من الطرائق، والآليات المعرفية المعاصرة، ومزاوجتها بمناهج المعرفة الإسلامية التراثية؛ لنجمع بين الرغبة في الإصلاح، وإشاعة الثقافة الكونية المبنية على أسس شرعية، وعقلية؛ كونها مطلبًا شرعيًا، وواقعًا مقدرًا.