فضل بن سعد البوعينين
لم يكن مستغرباً المتابعة الإعلامية اللصيقة لأرامكو السعودية، ونشر التقارير المتخصصة عنها، منذ إعلان الحكومة نيتها طرح 5 % من أسهمها للإكتتاب العام. تنوعت التقارير الإعلامية في مضمونها بين الإيجابي والسلبي، ومعلوماتها بين الدقيق والمغلوط، وأهدافها بين الأغراض الإعلامية النزيهه، والأهداف الموجهه اقتصادياً وسياسياً.
استأثر موعد الطرح، ثم إمكانية تأجيله أو تعليقه على القصص الإعلامية التي تنافست فيها وكالات الأنباء، في الوقت الذي تنافس فيه إعلام محور الشر على التشكيك في مشروع طرح أرامكو للاكتتاب ومحاولة استغلاله للنيل من مشروع الإصلاح الاقتصادي ورؤية المملكة 2030.
وبالرغم من تصريحات المهندس خالد الفالح، وزير الطاقة والصناعة والثروات المعدنية؛ المشددة على التزام الحكومة بالطرح الأولي لشركة أرامكو؛ وأن أمر الطرح مرتبط بتوقيته المناسب، إلا أن تكهنات وكالات الأنباء لم تتوقف. يعتبر التوقيت مهماً عند طرح الشركات الكبرى؛ لضمان أمرين مهمين، وهما: جودة التسعير وضمان جاهزية الأسواق. وعندما يتعلق الأمر بشركة نفط حكومية فيضاف إلى ذلك متطلبات أخرى مرتبطة بالمتغيرات الاقتصادية والقانونية والسيادية وخفض المخاطر وترتيب الأولويات ومراجعة الخيارات، وهذا ما أعتقد أنه الأكثر تأثيراً في اختيار زمن طرح أرامكو والمضي فيه أو تعليقه.. فالطرح وإن كان هدفاً، إلا أن العوائد المتوقعة على الاقتصاد والاستثمارات والمالية العامة؛ والتأكد من توافقها مع الدراسات الأولية والأهداف الإستراتيجية، هي الأكثر أهمية وهي المحددة لطبيعة القرار السيادي المتخذ.
الأكيد أن طرح أرامكو يشكل جزءاً مهماً من برامج صندوق الاستثمارات العامة؛ المرتبطة برؤية 2030 غير أنه لا يشكل مجمل الرؤية؛ لذا بدأ صندوق الاستثمارات في تحقيق أهدافه منذ 2016 وبمعزل عن إتمام طرح أرامكو ما يعني مضي برامج الرؤية كما خطط لها؛ واستمرار الصندوق في رسم سياساته الاستثمارية وتحقيق أهدافه بغض النظر عن مستقبل الطرح.. وكذلك الأمر ببرامج رؤية 2030 المستمرة وفق جدولها الزمني.
دخول الصندوق في استثمارات كبرى ونوعية خلال العامين الماضيين ومنها الشراكات العالمية التقنية والصناعية؛ ومشروع نيوم والبحر الأحمر والقدية وصندوق رؤية سوفت بنك؛ وعمليات الاستحواذ والشراكة بين أرامكو وسابك تؤكد أن برامج الصندوق وبالتالي الرؤية ماضية وفق ما خطط لها من قبل.. لذا فمن المستبعد أن يكون لتأجيل طرح أرامكو أو تعليقه أثراً سلبياً على رؤية 2030.
مراجعة توقيت الطرح وإعادة تقييمه وفق المتغيرات الاقتصادية والمالية والسياسية والقانونية أمر يحسب للحكومة لبحثها عن تحقيق المصلحة العامة وتنفيذ الأفضل للاقتصاد والوطن؛ وهو مالم تستوعبه منظومة إعلام محور الشر ومرتزقة الإعلام.
ومثلما جعل برنامج الطرح العام أرامكو في عاصفة الإعلام، فقد أسهم في إعادة تنظيمها داخلياً ومراجعة حساباتها، وهيكلها المالي والإداري، كجزء من متطلبات الطرح، وهو كسب لم يكن ليتحقق لولا برنامج الخصخصة الذي اقترحته الحكومية كمشروع مستقبلي خاضع للدراسة والتمحيص.
وعلى جانبي الطرح العام تبرز سياسة أرامكو الإعلامية التي باتت مختلفة عما كانت عليه من قبل. ما زال التحفظ الإعلامي سيد الموقف، غير أنها أصبحت أكثر انفتاحاً على الإعلام الخارجي والداخلي، وإيماناً بأهمية الرسائل الإعلامية القادرة على تقديم صورة حقيقية عن الشركة ما يمكن اعتباره من مكاسب مشروع الطرح العام.
.. ونكمل الأسبوع المقبل -بإذن الله-.