رمضان جريدي العنزي
رزقنا الله من الطيبات وأمرنا بالاعتدال في المأكل والمشرب والإنفاق، وضرورة الترشيد، وعدم الإسراف والتبذير، وأكد علينا جل شأنه بأننا مسؤولين يوم القيامة عن ذلك، وسنسأل: من أين اكتسبنا المال؟ وفيما أنفقناه؟، لكن هناك من يظن أن المال ماله، يتباهى به، يزهو ويتفاخر، ولا ينفقه في سبيل الخير مسالكه فججه ودروبه، بل ينفقه ويصرفه من آن لآخر في صنع احتفاليات باذخة من أجل الإطراء والإشادة والتصفيق وقصائد المدح والشيلات وفلاشات التصوير، ابتغاء مرضاة الذات والناس، رياءاَ وسمعة، هياطاً ونفاقاَ، وليس مرضاة لله، وطاعة له، وامتثالاً لأوامره ونواهيه، انشغل بتحسين نفسه كثيراً وتزيينها، محاولاً تأطيرها وتبجيلها وتفخيمها وارتداء البردات الجميلة، والبشوت الثمينة، وإشعال المباخر، وسكب العطور، ونحر الخراف، رغم أنه لا يملك من العلم شيئاَ، ولا يحسن البيان ولا التبيين، سوى فضول الهدر، وشهوة الحضور، وابتغاء الإطراء، نراه في الاحتفاليات التي يصنعها من آن لآخر إرضاء لنفسه، وخدمة لنرجسيته، له عجاجة، وفيه مجاجة، يستجيد بالتمجيد ويستحليه، ويجد فيه نزهة ومتعة، يحاول رفع قيمتة، وتجميل قشرته، وتقويم هيكلة، يحاول أن يكون مرموق الرخاء، موقوق الآخاء، وسحابة عطاء، له خليط كلام، وطيط وغطيط، ما يمل السرى من حب الأناء، وما درى بأن الليل نضا شبابه، وبأن النهار أسال خضابه، لا يصافي المحتاجين، ولا يؤاخي الفقراء، ولا يبالي بمن صرم الجوع حاله، والعوز مقداره، وجار عليه زمانه، ولا غرس وردة في أرض سبخة، فلربما تنبت السبخة وردة، لا يعطي ماله إلا لمن جاد في مدحه، وجمل حاله ونسبه، وألقى عليه المسميات والكنيات والألقاب، وأسهب في سرد الحكايا الباهتة عنه، وقال فيه الذي ليس فيه، لهذا يفرع ثنائه، ويفرغ إنائه، ويعطيه البشت والتذكار، ويجعله من الطلائع والرواد، يفتح له الباب، ويلتقيه بالترحاب، ويقول له: هيا هيا، وهلم حتى لو لم تتهيأ، ويطلب منه أن يخلده في بطون الكتب والأوراق، لهذا نجده يجمع حوله ممن يدعون الفصاحة والبلاغة، لكي يتباروا في الإنشاء له ببراعة، فهذه طريقته الإغواء، وذاك طريقته البهاتة، يشطون في شؤطهم، وينبلون من الكلام النبال، عباراتهم مهذبة، واستعاراتهم مستعذبة، ومفرداتهم موشحة، وبالأساجيع مجملة، يلبسون مضيفهم صاحب الإحتفال والمال النضال، وأنه من نال الكنائن، وفاء السكائن، وكف المنازع، وأسكت المزاجر، وأنه صاحب الحلالعقد، والمنافح عن الجمائل، وأنه مثل الدرة النادرة، والذهب الثمين، والحجر الكريم، يسهبون بذلك ولا يوجزون، وإذا ما قال أحدهم شعراً فيه قال انتشاءاَ طرباَ وزهواَ: أعد أعد، على صاحب المال هذا، كثير الإحتفال، ومحب الإشادة والإطراء والخطب، وجوب أن يقرأ بتمعن الكتاب المبين، المنزل من أصدق القائلين القائل: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)، وأن ينظر لنفسه نظر الشفيق، وأن يستغفر الله مما أودعها من أباطيل اللغو، وأضاليل اللهو، وأن يقلب وجهه في السماء، إلى أن تدمع أجفانه، ويبدا رجفانه، فيدعو الله بتوفيق المتاب، وحسن المآب، وأن ينفق ماله الذي وهبه الله له في مسالك الخير، ليكون له حجاباً له من النار، بعيداً عن مسالك الهياط والردى والإحتفالات الباهتة الزائلة، لأنها عنوان نحوس، وعمل بؤس، وليتقي الله بماله، لأنه من الله عنده أمانة، وانه امتحان وبلاء، وظل زائل، وليبحث عن أصحاب القلوب المنكسرة، والأسمال البالية، واليتيمة والأرملة والمسكين والفقير المريض والعائلة المحتاجة، ويطرق أبواب الجمعيات الخيرية، وأن يجعل الآخرة نصب عينه، يوم لا تنفع العبرات المنحدرة من المآقي، والزفرات التي تتصعد من التراقي.