ياسر صالح البهيجان
الفصل بين الجانبين التشريعي والتنفيذي فيما يتصل بقضايا التنمية الوطنية داخل المناطق والمدن بالمملكة أحدث فجوة بين الرؤى والإستراتيجيات الكبرى للتطوير من جانب، والقدرة على تحويلها إلى أعمال قائمة ذات كفاءة وجودة من جانب آخر.
هيئات تطوير المدن والمناطق تعمل وفق هيكلة تنظيمية وإدارية ومواصفات ومعايير تختلف كليًا عن تلك التي تعمل بها الأمانات العائدة في تنظيمها الإداري إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية، أي أننا أمام مرجعيتين مختلفتين في الذهنية والتشكل والاشتراطات والمعايير والكفاءة، لذا قد تحدد الهيئات خططًا تنموية تفوق قدرة الأمانات المالية والبشرية والتقنية، ما يجعل مصير تلك المشاريع هي الإنجاز بمستويات دنيا لا تنسجم مع ما رسمته الهيئة في تصوراتها المبدئية.
ولا تمتلك هيئة تطوير أي منطقة سلطة مباشرة لمحاسبة أي تقصير من الأمانات، على الأقل من الناحية الأدبية، لكيلا تتدخل في صلاحيات وزارة الشؤون البلدية والقروية المسؤولة عن عمل أي أمانة، ولا يمكن تجويد العمل المنتج دون أن يكون للمشرّع صلاحية اتخاذ قرارات أكثر صرامة على الجهة التنفيذية في حال قصرت في أداء العمل، كما أنها ستجد صعوبة في تفهم طبيعة التحديات التي قد تواجه مراحل التنفيذ الميدانية، فضلا عن تبيان الميزانيات من جهة إلى أخرى، ومدى انسجامها مع الخطط التنموية في المدن والمناطق.
أعتقد بأن إعادة هيكلة الجهات المسؤولة عن تنمية المناطق أمر بالغ الأهمية، وأقترح تحويل وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى هيئة عليا عامة لتطوير المناطق والمدن تتولى اعتماد ومراجعة الاستراتيجيات وخطط التطوير المقدمة من هيئات تطوير المدن وتشرف على أدائها، فيما تتولى كل هيئة تطوير منطقة الجانبين التشريعي والتنفيذي، وتكون مسؤولة عن مراقبة عمل البلديات الفرعية المنضوية تحت لجنتها التنفيذية، على أن تقوم الأخيرة بالمتابعة والمحاسبة والرفع بتوصياتها لهيئة تطوير المنطقة.
بذلك تستقيم المعادلة بين التخطيط والتنفيذ، وتسير وفق تراتبية هيكلية تعزز إمكانية تحقيق التحول التنموي بما يتلاءم مع تطلعات القيادة الرشيدة حفظها الله، وبما ينسجم مع حجم التحديات القائمة، أما في حال استمرار تداخل الاختصاصات بين الجهات واختلاف المرجعيات، فإن إستراتيجيات التنمية ستظل مجرد دراسات وأبحاث وتصاميم على ورق دون أن يجري تفعيلها بدقة وإتقان إلى مشاريع ذات أثر ملموس على الأرض.