د. محمد عبدالله الخازم
سُئلت لماذا أهديت كتابي الأخير «جامعة 2030» إلى سيدة لا تعرف اللغة العربية ولم أرها منذ عشرين عاماً. فقلت لأنها معلمتي ومن أفضل القادة الذين عملت معهم خلال ربع قرن من الزمان. القيادة من الأمور التي تختلف التعريفات والنظريات فيها، و يشير بعض الخبراء إلى صعوبة تعريف أو الاتفاق على خصائصها بدقة ولكن القادة يمكن التعرف عليهم. القائد حالة أو كاريزما تستطيع وصفه بعد أن تراه أو تعمل معه. (ديبي) كما نسميها اختصاراً لاسمها (ديبرا) رغم تعاملها الإنساني الرقيق لم تتأثر هيبتها كقائدة جادة، وقد ميزها أربع صفات في التعامل مع الموظف قلما أجدها في كثير من القادة. الصفة الأولى؛ الإنصات لك كموظف وحثك لشرح ما تود قوله ودائماً أكرر أن الإنصات ليس مجرد الصمت عندما أتحدث وإنما التأمل في حديثي والتفاعل معه إيجابياً، فمن خلال إنصاتها وتفاعلها معي بالتحفيز على تطوير الفكرة الصغيرة التي أطرحها قدمت أروع الإنجازات لشخصي وللمهنة على المستوى الوطني، والزملاء في المهنة يعرفون أننا بدعمها المنطلق من سماعها لأحلامنا وضعنا اللبنات الأول للمؤسسة المجتمعية المهنية في التخصص.
الصفة الثانية؛ الدعم حتى لتشعر أنها تبنتك واصطفتك دوناً عن الآخرين. رغم أن دعمي وزملائي السعوديين يعني تهديدناً لمنصبها، فقد آمنت برسالة المؤسسة في دعم أبناء الوطن. في الغالب يسعى الموظف للحصول على دورة أو بعثة أو فرصة ويترجى مديره ليقتنع بذلك، إلا معها كانت تأتي بالفرص إلينا وتحثنا على الاستفادة منها، وليس خافياً القول إنها لم تحثني على مواصلة الدراسات العليا فقط، بل لعبت دوراً كبيراً في حصولي على القبول وإقرار البعثة وزيارتي وتحفيزي أثناء الدراسة. ولم أكن وحيداً في ذلك، بل الدعم كذلك لزملاء آخرين. وبعد مغادرتها وخلال عشرين عاما لم يأت من يدعم الزملاء مثل ما دعمتنا معلمتي (ديبي)، ولم يخرج للبعثة سوى زميل واحد وفق دعم لاعلاقة له بالقسم.
الصفة الثالثة؛ آلية التعامل مع الموظف، فلم أرها تنهر موظفا أو تؤنبه أو تحاسبه أمام الآخرين، فعندما تريد إبلاغك ملاحظة فإنها تستدعيك فتحدثك لوحدك، أو كما علمتني وجود الملاحظة أو القصور من الموظف لا يبرر جرح كرامته أمام الآخرين. أنا أطرح ملاحظتي في ماله علاقة بالعمل لكن لا أحمل الحقد أو العداء الشخصي. الصفة الرابعة؛ تقدير حقوقك وتذكيرك بها وليس فقط طلب التضحية منك. أذكر في بداية عملي، عندما تأخر أحد كبار الشخصيات المراجعين، وبينما الزملاء يحذرونني من عدم المغادرة تقديراً للموقف، قالت لي بإمكانك الذهاب لأنه حقك ونحن لا نمنحك إضافيا مقابل تأخرك، سأراه نيابة عنك لأنني مسؤولة ولدي امتيازات أكثر منك. ألت أن تقوم بالعمل احتراماً لحقوقي. ان تكون قائداً مميزاً يعني أن تهتم بتميز وارتقاء موظفيك، ويعني أن تحترم قيم الموظف كإنسان وتختصر اختلافك معه في العمل دون إحراج لشخصه ويعني أن تنصت وتستمتع وتحفز كل فكرة جديدة وتمنح صاحبها الدعم ليطورها وينفذها طالما هي قابلة للتطبيق، ويعني أن تقدر حقوق الآخرين وإن كانت بسيطة. معملتي (ديبي) كانت نموذجاً أستحق أن أهديه أحد كتبي.