عروبة المنيف
تثير حفيظتي، وقد تستفزني أحيانًا، تلك الردود الصادرة من بعض المسؤولين، وعلى الأخص تلك الردود المتعلقة بالإنجازات النسوية، التي سلكت مسلكًا واحدًا لا حياد عنه؛ فعند سؤال أحدهم عن رأيه في مشاركة المرأة بسوق العمل - مثلاً - تأتيك الإجابة الديباجة: «إن المرأة هي الأم والزوجة والأخت والبنت، علينا إكرامها واحترامها وتقديرها»! هل لأنها أمك وزوجتك وأختك وابنتك تكرمها وتحترمها وتقدرها؟! فأنت أيضًا الأب والزوج والأخ والولد، علينا إكرامك واحترامك وتقديرك! المرأة تُحترم وتُكرم لأنها إنسانة مثلك متساوية معك في الحقوق والواجبات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}.
ليكن الخطاب الصادر من المسؤولين أكثر مهنية واحترافية في إيصال المعلومة لتأثيرها الكبير في العقل الواعي الجمعي، ولاسيما أن المسؤولين يعتبرون مثالاً ورمزًا مؤثرًا، ينصت إليه غالبية الناس، وأخص بالمعلومة تلك المتعلقة بالمرأة التي عانت لعقود من نظرة دونية، لا ترتقي لمستوى الذكر، سواء كانت تلك النظرة نابعة من خلفية ثقافية أو اجتماعية، أو أُلبست لباسًا دينيًّا لسهولة ترسيخها في العقل الواعي الجمعي، فالهدف في النهاية هوى ذكوري بحت. ولا يقف الأمر عند ذلك ليتحفنا الإعلام المحلي بالتمييز! ولربما غير المقصود، لنسمع عن أول امرأة تبدع في المجال الفلاني، وأول امرأة تبدع في المجال العلاني، وكأنها إنسانة مستغرب عنها المجال الإبداعي، فالإبداع هو حكر على الرجل فقط! لأنه غير متوقع منها؛ إذ تبدع الآلة الإعلامية في ترسيخ مفاهيم ومعتقدات وقيم عند نقل حدث أو خبر ما! وقد طالعت مؤخرًا خبرًا تناقلته وسائل إعلامنا المحلي عن دخول أول امرأة في تسويق العقار في مدينة بريدة، وافتتاحها أول مكتب عقاري تملكه امرأة! وهل دخول المرأة في مجال الأعمال أمر غريب علينا وغير مستساغ؟! لماذا يريد الإعلام ترسيخ فكرة أن المرأة أقل من الرجل في كل المجالات، وتميزها في أي مجال يحتاج لاحتفال وتطبيل وتزمير منه، وأن تميزها في مجال كان حكرًا على الرجل هو أمر غريب يستحق النشر والاحتفال؟ إن مجال الاستثمار وإدارة الأعمال لدينا مفتوح للجميع رجالاً ونساء، وإن كانت هناك أعراف في السابق تمنع مشاركة المرأة في بعض المجالات الاستثمارية التي ربما اتخذت قوة القانون! هذا لا يعني استرجاع تلك الذاكرة، وترسيخ فكرة عدم أهلية المرأة، وأن تميزها يستدعي الاحتفال به!
ليس المقصد التوقف عن تحفيز المرأة والاحتفال بمنجزاتها، ولكن ينبغي توجيه الآلة الإعلامية، وتنبيه المسؤولين في خطاباتهم وفي رسائلهم الإعلامية لأهمية مفهوم سيكولوجية الجماهير؛ فنقل الخبر يستدعي مهارة ومهنية عالية.. وليدرك القائمون عند نشر حدث أو خبر ما مَن هو الجمهور المخاطب؟ وما هي خلفيته واتجاهاته الفكرية؟ وليضعوا أمام أعينهم حقيقة لا شك بها: أن المرأة إنسانة مثلها مثل الرجل تمامًا، تمتلك الإمكانيات العقلية والمهنية والاجتماعية، وتمتلك الطموح الذي يدفعهما معًا لخدمة وطنهما بكل اقتدار؛ فهي مبدعة مثله تمامًا، وإبداعها ليس غريبًا يستدعي الاحتفال والإعلان عنه؛ لأنها منه، وهو منها.