عبدالوهاب الفايز
عندما تصدر التقارير الحكومية الرسمية التي تؤكد سلامة الحج من الأخطار الأساسية، ونرى بداية عودة الحجيج إلى ذويهم سالمين، هنا نتنفس الصعداء، ونفرح بنجاح الموسم، وتحقُّق ما عملنا عليه وتطلعنا إليه.. وكل من عمل وتعب في الحج لا يجلس عندئذ لينتظر الشكر والثناء! فالأمر من قبل ومن بعد موكل إلى الله سبحانه وتعالى؛ فهو واهب الحسنات، وهو من يُنتظر عفوه ورضاه.
لقد التزم الشعب السعودي بالمهمة المقدسة لخدمة الحجاج.. فالقيام بهذا الواجب يعتبر أمرًا مقدسًا، تسهل دونه الأمور الدنيوية. وهنا ساقني الحديث إلى الذاكرة؛ فعند بداية عملي رئيس تحرير قبل سبعة عشر عامًا وجدت أن المبلغ المخصص للصحفيين حين تكليفهم بمهمة تغطية أيام الحج لمدة ستة أيام مبلغ ضئيل مقارنة بالجهد الكبير والمخاطر التي يتعرضون لها في عملهم الميداني، وعندما سألت: هل يقبلون بهذا المبلغ المتواضع؟ كانت الإجابة: إن هذا أمر جرت عليه العادة منذ بضع سنوات، ولم يشتكِ أو يرفض التكليف أحدٌ من قبل إلا لظروف قاهرة. وعندما تواصلت مع أحد الزملاء المحررين للتأكد من الأمر لم يخفِ عدم رضاه عن العوض المادي.. لكنه قدر أن مساندة من يخدمون الحجاج (أمر ثوابه عند الله)، هذا هو المهم بالنسبة له.
هذا هو تقريبًا أمر الحج عند الشعب السعودي، وأكثر من يفرح بخدمة الحج هم الجيل الشاب من الجنسين؛ فبالنسبة لهم التطوع في هذا الأمر يشكل قمة السعادة والفرح، والقائمون على المؤسسات الخيرية يعتمدون على إقبال الشباب وتطوعهم، ويسري هذا على طلاب الكليات والمعاهد العسكرية الذين جرت العادة أن يؤخذوا في سنوات الدراسة الأولى إلى المشاعر، وكانت تُسند لهم مهمات الإرشاد والمساعدة للحجاج، ومساندة الجهد الأمني. والهدف من هذه المشاركة تعليمي وتربوي. وكل من شارك في هذه المهمة يضعها في خانة أجمل الذكريات.
منذ السنوات الأولى لتأسيس بلادنا ما نعرفه نحن السعوديين هو أن الحكومة تضع الحج ضمن أولويات الاهتمام والإنفاق، ومنذ الملك المؤسس عبد العزيز - يرحمه الله - أصبح أمرًا ثابتًا أن ترى الملك وولي العهد يحضران في منى ومكة لمتابعة أمور الحج، ومعهما القيادات والمسؤولون في الوزارات الأساسية لخدمه الحجاج؛ إذ يلتزمون مكاتبهم، ويقودون الفرق الميدانية هناك في المشاعر.
لقد التزمت الحكومة السعودية وشعبها بخدمة الحجيج منذ قيام الدولة وتوحيدها، وأول اهتمامات الملك عبدالعزيز كان ضرورة تأمين الحج بالخدمات، وحماية الحجيج من المخاطر وقُطّاع الطرق، وإلغاء الضرائب والرسوم المرهقة لهم رغم ضعف مصادر التمويل للحكومة حينئذ.
الذي نفرح به ويسعدنا الآن هو ما نراه من تطور إيجابي لإدارة الحج. لقد اتضح جليًّا في حج هذا العام وفي العامين السابقين مدى (ارتفاع كفاءة التنسيق) بين الأجهزة الحكومية، واتضح أن الأنظمة والضوابط التي تضعها الحكومة لإدارة الحج يتم الآن تطبيقها وعدم التساهل فيها. وهذا مؤشر واقعي على جدية الحكومة للإصلاح والتطوير، ومحاربة مصادر الفساد والتقصير الذي كنا نراه في بعض خدمات الحجاج، بالذات من أصحاب حملات الحج ومطوفيهم. وأيضًا مع التشدد في إغلاق منافذ الدخول إلى المشاعر لمنع المتسللين غير المصرح لهم بالحج.
مع الأسف، في سنوات مضت كانت بعض المخالفات التي منشؤها تساهل بعض المسؤولين في القطاعين العام والخاص في واجباتهم مسؤولياتهم.. وهذا التساهل تسبب في تضييع الجهود الكبيرة التي نبذلها جميعًا لخدمة الحجاج، وكان المتضرر الأكبر سمعتنا وسمعة بلادنا. المسلم الذي تهفو وتتشوق نفسه لإتمام هذه الشعيرة من حقه أن يتمها بأمن وسلام، وهذا ما نعمل عليه. والأمير خالد الفيصل قال ما في نفس كل سعودي.. قال: نحن لا ننتظر من الحجاج شكرنا؛ فهذا واجبنا.. ننتظر منهم أن يعطونا الفرصة لخدمتهم. ورحم الله الإمام الشافعي حين قال: (وأفضل الناس ما بين الورى... رجل تقضى على يده للناس حاجات).