أمل بنت فهد
لكل عصر علل خاصة به، تفتك بمجتمعه، وتسوقه نحو الشتات، وعلل عصرنا كثيرة، ولنأخذ منها علة الشهرة، فالأغلبية تريد الشهرة، بأي ثمن كان، والبحث عن الشهرة ليس علة إذا كان لهدف نبيل، أو لهدف مادي، لأن المشهور حينها لديه سبب وينتظر نتيجة، لكن ما يحدث اليوم أن موجة الشهرة اجتاحت الصغير والكبير، العاقل والمجنون.
فماذا يعني أن تلهث خلف الشهرة، ويكون عداد المتابعين لديك كعداد الأموال في حسابك، زيادته مفرحة، ونقصه مؤلم!
لماذا تريد أن تكون مشهوراً؟ ومعروفاً لدى عدد كبير من الناس! هل السبب فعلاً أنك تعتقد أن لديك ما تقدمه للعالم، أم أنها مسألة باتت مؤرقة وهاجس فقد الأسباب وتحول إلى هوسٍ يصعب تحديد أسبابه.
صحيح أن تفاعل الناس معك يمنحك نشوة عظيمة، ويضخ فيك حماساً وصخباً، لكن ماذا ستفعل بعد أن يفقد نجمك السطوع، ويبدأ الجمهور ينسحب من منصتك، أتدرك أن سقوطك سيكون سريعاً، مرعباً، مدمراً!
فكل نجم قبلك أفل وغاب، لأن شهية الجماهير لا يمكن أن تدوم، إنها تتشبع بسرعة، وذاكرتها أقصر مما تتخيل، وربما تلتفت إليك بعد أن تموت، لتقيم لك طقوس التذكر، والتباكي على رحيلك.
وإذا تأملت نجوماً قبلك، ستجد بين فجر ولادتهم، وبين وفاتهم مرحلة ركود ونسيان، وخذلان قاهر، لم يسلم منه نجم مهما كان فنه الذي قدمه، ومهما كانت اختراعاته، نعم إن البشرية لا يسعها التذكر دائماً، لأن حقيقة الأمر: أن كل إنسان مشغول بنفسه، ولن تأخذ منه أكثر من المتعة التي تقدمها له، أو الاختراع الذي استفاد منه، ولن يتذكرك بعدها.
لابد أن تدرك أن أضواء الشهرة حين تُسلط عليك فترة من الزمن، فإنها ستتجه لغيرك وتترك لظلام الوحدة والنسيان، ولن تجد أحداً بجانبك، لأن نشوة الشهرة تنسيك أموراً هامة في حياتك، تشغلك عن الحب، وتحرمك من الصداقة النزيهة، لأن المجتمعين حولك في أوج الشهرة يغلب عليهم الافتتان وسرعان ما يذبل ويموت، أو منتفعين من شهرتك، لذا فإنك مأخوذ بضجيج التصفيق، والهتاف، واسمك الذي يتردد في المجالس.
لكن بعد كل ذلك، ينتظرك الصمت، والفراغ، والوحشة، لذا دع عنك عبث الشهرة، واغتنم أجمل أوقاتك في اقتناص أجمل العلاقات التي تسعدك، قبل أن تفقد أوانها، وتفقد شهية الفعل والشعور.