د.مساعد بن عبدالله النوح
لقد أضحت الدعوة إلى شراكة تعليمية بين مؤسسات التربية في المجتمع من أولى أوليات المجتمعات المتحضِّرة؛ من أجل إعداد أجيال صالحة للتكيّف مع ظروف العصر وتغيّراته. وتتصدر الأسرة والمدرسة قائمة هذه المؤسسات نظراً لارتباطهما الوثيق مع هذه الأجيال.
لم يعد تحقيق التعليم المادي مطلباً وحيداً في العصر، وأقصد به إعداد أجيال متعلِّمة في تخصصات العلم المختلفة وبدرجات علمية متفاوتة، بل الحاجة إلى التعليم المعنوي، وأقصد به تزويدهم بمنظومة قيم تربوية تلازم التعليم الأكاديمي؛ لأنه من المؤسف ظهرت أجيال متفسخة من القيم الأخلاقية والعلمية والاجتماعية، فلا قيمة للشكل، بل المحتوى.
والنصائح التربوية كثيرة ولاسيما مع قرب حلول العام الدراسي الجديد 1439-1440، حيث ودعنا عاماً مضى، وله من النجاحات، وعليه من الإخفاقات، وجميع التربويين شركاء فيهما من أسرة ومدرسة ومجتمع.
وتتصدر هذه النصائح الاهتمام المبكر للأسرة بانتظام أبنائها في الدراسة منذ الأسبوع الأول، فأولياء الأمور الذين يستعدون للعام الدراسي مادياً بتوفير المستلزمات المدرسية، استعدادهم هذا ناقص مالم يصاحبه استعداد معنوي، مثل:
تحفيز أبنائهم على الدّراسة الجادة، والمثابرة منذ بداية العام الدراسي، حيث يتردد على ألسنة البعض منها أن الأسبوع الأول من الدراسة لن يشهد انتظاماً من حضور الطلاب. وعليه يتأخر انضباط أبنائهم في المواظبة. ولا يخفى على الجميع أن الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى المسؤولة عن تشكيل اتجاهات أبنائها نحو المدرسة والدراسة. وتتوافر جهود تضمنت اقتراحات لجعل الأسبوع الأول من العام نشطاً تستعد له الأسرة وأبناؤها على حد سواء.
والبداية المبكرة للمدرسة هي نصيحة ثانية في حزمة النصائح؛ لئلا يأتي الطلاب لها، ويلاحظون أنها لم تستعد، فيكون له انعكاس غير مرض، قد يتسبب في تناقص الثقة في جدية قيادة المدرسة، وفي وفائها بوعودها، وأهليتها في حل مشكلاتها في قادم الأيام. ويتمثّل هذا الاستعداد في توفير التجهيزات التربوية اللازمة للعملية التعليمية، وهي كثيرة ومهمة في الوقت ذاته. وتحقيق هذه النصيحة بتضافر جهود المدرسة وإدارة التعليم والوزارة، مثل: سد النقص في أعداد المعلمين والمعلمات، وتوفير الكتب المدرسية، وقيادة المدرسة، وصيانة مرافق المدرسة.
والحد من مظاهر العنف المدرسي مهما كانت أنماطه ومستوياته هي نصيحة أخرى، ولاسيما عنف المعلم مع المعلم، أو مع الطالب، أو مع قيادة المدرسة؛ لأن العنف لا يأتي بخير لأطرافه، ولا يحل مشكلة، بل ربما يزيد من حدتها، ويعمّقها، فضلاً عن آثاره النفسية والصحية والاجتماعية، وربما الأمنية. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم، أوصني، قال: (لا تغضب)، فردد مرارًا، قال: (لا تغضب)؛ رواه البخاري.
ونصيحة إنسانية وهي أن تُوجّه إدارات التعليم في المناطق الإدارية مشكورة المكتبات ومراكز الخدمات الطلابية بضرورة مراعاة أسعار الأدوات المدرسية والقرطاسية؛ لتتناسب مع ظروف الأسرة، ولاسيما أصحاب الدخول المحدودة الذين يُخفون في صدورهم تضجرهم من طلبات المدرسة وطلبات أبنائهم.
ونصيحة لزملاء المهنة بأن يكونوا خير معين لأبنائنا الطلاب؛ لترغيبهم في الدراسة، والانتظام والنجاح، والتفوّق، فالطالب يقضي في اليوم الدراسي ما يعادل نصف يومه، وخلاله يلازم فصله ومعلميه، وزملاءه في المدرسة.. فكم من معلم أو معلمة كانا سبباً في تشكيل شخصية طلابهما الصالحة أو العدوانية، وجعلا منهم إضافة لأسرهم، ومجتمعهم، والعكس صحيح. ويكفي المعلم والمعلمة شرفاً ورفعةً أنهما بمنزلة الرسول، أي رسول العلم والمعرفة والتنشئة الصالحة للطلاب.
ونصيحة لأبنائنا الطلاب، وهي الاهتمام بالعلم، وتسخير كل طاقتهم؛ لتحصيله، فاليوم ليس ميداناً لكل من لديه شهادة وحسب، بل من حصَّل هذه الشهادة بتفوق وجدارة علمية، وخلق رفيع، وهذا الذي ينتظره المجتمع من أبنائه لمستقبل مشرق.
ونصيحة لمن يختلق الطُرف والنكات على المعلم أو المعلمة، بأن يراجع نفسه، ويفحص سلوكه، فقد يكون معول سوء في انتشار الإساءات التي طالت المدارس والمعلمين والمعلمات خاصة، وبالتالي كان سبباً في صناعة أجيالً غير نافعة في المجتمع.
وفّق الله أبناءنا لعام دراسي سار وحافل بانضباط أخلاقي وتحصيل علمي.