فوزية الجار الله
كنت في حيرة من أمري هل أسافر أم ألغي الرحلة ولو خسرت ثمنها؟ ربما لأنني كاتبة وعملي يتعلَّق بالأوراق لذا أجدني دائماً غارقة في بحر من الورق لا أكاد أنهي ترتيبه حتى تنمو أكوام أخرى.. ربما يكون إنجاز الأعمال أولاً بأول هو الحل، أعي تماماً هذه الحقيقة لكنني غالباً أجدني قد انشغلت بأمر آخر أكثر أهمية وعندها يتم تأجيل ما ليس عاجلاً وغالباً يتعلّق بالورق، أخيراً توصلت إلى حل سوف أستمر في ترتيب الأوراق قدر الإمكان في الوقت الذي أردد فيه دعاء الاستخارة فإن تمت فهي بفضل من الله. اقترب موعد الفجر، أخيراً انتهيت، كنت مرهقة جداً، لا وقت للنوم، لا بأس يمكن تعويض النوم لاحقاً..
من محاسن الصدف أن الطائرة لم تكن ممتلئة وقد وجدتها فرصة سانحة لأخذ قسط من الراحة، استأذنت من صديقتيّ بالانصراف، تركتهما في المقاعد الأمامية مستغرقتين في بعض الأحاديث، تلفت هنا وهناك ووجدت ثلاثة مقاعد متجاورة قبل نهاية مقاعد الطائرة بقليل وهذا غاية المنى، سآخذ قسطاً من الراحة، و...ذهبت في غفوة لشدة التعب، لم أتجاوز الساعة لكني كنت أشعر بشيء من الإزعاج الصادر من المقعد الخلفي، بين الفترة والأخرى هناك صوت قوي يشبه قرقعة على الطاولة، إضافة إلى ضربات متكرِّرة على ظهر الكرسي الخاص بي.. بعد قليل بلغني صوت الغناء.. اختلست النظر للخلف لأجد امرأة قد وضعت سماعة الهاتف الجوال على أذنيها فيما يبدو أنها قد قامت بتحميل بعض الأغاني وانهمكت بترديدها مع المغني بداية كانت تردد «مقادير يا قلبي العنا».. قلت في نفسي: ياللهول..!
رحم الله طلال مداح! يبدو أنها لم تكتشف الأغنية سوى الآن.. ثم «عطني المحبة» عندها تذكّرت عبارة يرددها بعض المراهقين عند سماع الحكايات القديمة «أوه لقد عمّ الغبار المكان»، أو حسب اللهجة النجدية (غبّرت علينا).. ثم استمرت إلى فيروز وأم كلثوم، حاولت متابعة الاسترخاء لكن لم أستطع، خمنت، يبدو عجيباً أمر هذه المرأة! الإنسان لا يغني بصوت مسموع هكذا بين الناس وبمنتهى اللا مبالاة إلا إذا كان في حالة غير طبيعية، لاحظت أن المضيفة لا تعلق بشيء مما جعلني أشك في أن المرأة كما ظننت، لذا من الأفضل عدم نهرها أو انتقادها، فلتفعل ما تشاء، حين اقتربنا من نهاية الرحلة وقد وقَفَتْ، كانت تبدو متوسطة العمر، في الخمسين أو ربما تجاوزتها بقليل.. بلغني صوتها وهي تعتذر عن إزعاج الراكب في المقعد الذي يليها من الخلف، أما الآخرون فيبدو أنها لم ترهم، سمعتها تتحدث بلهجة تشير، بل تؤكد أنها تنتمي إلى إحدى الدول العربية، ترى أي سر تخفيه هذه المرأة؟! كان الكابتن قد أعلن موعد الهبوط منذ قليل ولا بد من المغادرة الآن ولتذهب المرأة الغامضة إلى شأنها، أما أنا فقد رافقتني علامات استفهام حاولت جاهدة تركها على أرض المطار.