من المعلوم، أنّ مشروعية الحج قديمة في هذه الأمة الإسلامية، قدم الصلاة والزكاة والصيام منذ رسالات الأنبياء عليهم السلام، يقول سبحانه {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (34) سورة الحـج.
إنّ المقصود الأعظم من أداء فريضة الحج هو امتثال أمر الله تعالى، كما امتثله خليل الله أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، حيث أمره تعالى بإقامة هذا الموسم العظيم وبأن يؤذن في الناس بالحج، يقول عزَّ وجلَّ: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} (28) سورة الحج
إنّ أهم ما ينبغي أن يتذكره المؤمن وهو يؤدي فريضة الحج هو تلك العقيدة الصافية النقية من كل الشوائب، عقيدة التوحيد التي أمر الله عز وجل بها خليله إبراهيم عليه السلام بعد ما بوأه مكان البيت وأرشده إلى قواعد الحج ومناسكه، يقول تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} (26) سورة الحج.
وفي الأماكن المقدسة والبقاع المباركة يتذكر المؤمن إبراهيم الخليل عليه السلام وهو يدعو ربّه في ضراعة وخشوع {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ...} (128) سورة البقرة.
وفي تلك المواطن الطاهرة يتذكر المؤمن ذلك الابتلاء العظيم، حيث أمر الله تعالى خليله إبراهيم عليه السلام بذبح ولده إسماعيل: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} (102) سورة الصافات. فيستسلم إسماعيل لأمر الله وقضائه ويقول: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (102) سورة الصافات. ثم تكون عاقبة صبرهما وامتثالهما أن فداه الله تعالى بذبح عظيم، وأنّ شرف خليله بندائه: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (104-105) سورة الصافات.
ويتذكر المؤمن وثوق إبراهيم عليه السلام بربه وضراعته، حينما أنزل ولده وزوجته قرب الكعبة على غير زاد، {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} (37) سورة إبراهيم.
ويتذكر هاجر وابنها عندما نفد الزاد القليل والطعام والماء، إذ قامت تسعى بين الصفا والمروة لعلها تجد ما تسد به رمقها وولدها حتى استكملت سبعة أشواط.
كما يتذكر الحاج في تلك المواطن الطاهرة نزول القرآن على خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وما عانى من كيد وأذى ومؤامرات من أجل نشر الإسلام ومحو آثار الشرك.
في مكة وحول الكعبة في الطواف وفي السعي بين الصفا والمروة وفي عرفة وفي المزدلفة وفي المشعر الحرام وفي منى وفي رمي الحجرات يجتمع المؤمنون على صعيد واحد وفي نظام ولباس واحد وتلبية موحَّدة.
وفي شعور المؤمنين بأنّ مكة بلد الله الحرام هي للمسلمين جميعهم على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، كل هذا وغيره يحقق للمؤمنين في موسم الحج وحدة المظهر، وعن ذلك تنشأ الوحدة الروحية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية.