فضل بن سعد البوعينين
لم يكن مستغربًا نجاح موسم حج 1439هـ عطفًا على جهود المملكة المتميزة والمستدامة في توسعة الحرمين الشريفين، وتطوير المشاعر، وتوفير الخدمات الشاملة لضيوف الرحمن، والاعتناء بهم، وتمكينهم من نسكهم، وتسخير الإمكانات الأمنية والخدمية كافة من أجل تحقيق الكفاءة القصوى في إدارة الحج وخدمة الحجاج.
لم يقتصر الأمر على تجهيز المشاعر المقدسة، وتوفير الخدمات الشاملة للحجاج، بل مكَّنت القيادة الكثير من كبار السن والمرضى من إتمام نسكهم بالرغم من عجزهم التام، من خلال تجهيز قوافل طبية، تنقلهم بين المشاعر في سيارات إسعاف مجهزة، وكأنهم في مستشفيات متنقلة، تحيط بهم الطواقم الطبية والتمريضية من كل جانب.
صور جميلة تلك التي التقطتها عدسات المصورين لرجال الأمن وهم يحملون كبار السن لمساعدتهم في التنقل، أو قضاء بعض حوائجهم. أعمال إنسانية تتجاوز مسؤوليات رجال الأمن غير أن الحس الإيماني والإنساني والوطني حملهم على تنفيذها.
أكثر من 280 ألفًا من رجال الأمن والمدنيين جُندوا لخدمة ضيوف الرحمن، وحفظ أمنهم، يتقدمهم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده والوزراء؛ ما أسهم في تحقيق النجاح الذي تحدث عنه المنصفون بأمانة وحياد، وأنكره المدلسون من أصحاب الهوى والأهداف السياسية المقيتة.
استمعتُ إلى شهادة مقدمة الحفلات الموسيقية سابقًا «كريستيانا باكر» ومؤلفة كتاب «من MTV إلى مكة» حول رحلتها للإيمان والحج، ومشاهداتها وتقييمها للخدمات المقدمة، وما تقوم به الحكومة من جهود مضنية لخدمة الحجاج والمسلمين حول العالم. شهادة منصفة وعادلة لما قُدم من خدمات جليلة، وما أُنجز من مشروعات لتطوير المشاعر، واحتضان وفود الرحمن بأعدادهم الضخمة، والتعامل مع أمنهم وتفويجهم وإدارتهم، وتوفير الغذاء والخدمات لهم بشكل انسيابي، ودون عرقلة لحركتهم الإيمانية وتنقلاتهم بين المشاعر.
كما استمعت إلى شهادة حاجة سورية، غالَبَها البكاء، وهي تتحدث عما رأته من خدمات في المشاعر، وتعامُل رجال الأمن والمواطنين، أطفالاً ورجالاً ونساء، مع الحجاج.. وبالرغم من ترسبات الحزن وما عانته في طريقها إلى المملكة، وألمها مما تعرض له وطنها وشعبها، إلا أنها قدمت شهادة حق منصفة، أرادت بها وجه الله بعيدًا عن الهوى وحسابات المصلحة.
شتان بين أمانة المنصفين من المسلمين، وتدليس الحاقدين من إخوان الشياطين وداعمي الإرهاب وممولي الإرهابيين، الذين أوغل نجاح الحج والشهادات الدولية التي تلقتها المملكة صدورهم بالحقد، وقلوبهم بالنفاق، وملأ ألسنتهم بالكذب. أغرقت منظومة محور الشر الإعلامية قنواتها بالقصص الكاذبة حول موسم الحج، بعد أن سقطت فرية منع مواطني قطر من الحج، ومنها قصة حجاج المغرب التي فندتها الحكومة المغربية في وقتها. لم يكن مستغربًا دخول المرتزقة من الإعلاميين والبرلمانيين والحزبيين العرب موجة التدليس الكبرى، غير أن مشاركة غير المسلمين فيها يدعو إلى الاستغراب، ويكشف في الوقت عينه مستوى الانحطاط الذي بلغته منظومة محور الشر الإعلامية ومتاجرتهم بالدين، وإصرارهم على تسييس فريضة الحج.
جعلت المملكة عمارة المسجد الحرام في مقدمة أولوياتها التنموية، والتزاماتها المالية، وحرصت قيادتها على تقديم الخدمات كافة لهم، وتمكينهم من نسكهم، وحماية فريضة الحج من التسييس، والتزمت بالفصل التام بين الحجاج وما يصدر عن حكوماتهم من عدائية موجهة ضد المملكة؛ فلم يسبق لها أن حجبت الحج عن رعايا الدول المعادية، بل تلتزم بتقديم الخدمات كافة لهم أسوة بالدول المسلمة الأخرى. وهذا هو الالتزام الرباني الذي التزمت به حكومة المملكة منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - حتى اليوم، أدركه وقدره المنصفون، وأوغل في تشويهه المدلسون من الحاقدين والمرتزقة والمنافقين.