رجاء العتيبي
كثير من نجوم عقد الثمانينيات والتسعينيات قد توفاهم الله، والبقية يبدون كبارا معطائين وما زالوا، تابعناهم في صغرنا، وتعلمنا منهم الكثير، وملأوا حياتنا حينها فكرا وثقافة وفنا وإبداعا، أحببناهم في أزمنة كان للكلمة معنى، وللكتاب هيبته، وللشاشة الفضية رونقها، وللمسرح فخامته، وللموسيقى حياتها، وللشعر منصاته، كانوا جزءا من منظومتنا المعرفية وثروتنا الثقافية.
جاهدوا بكل ما يملكون في عصور عصيبة من الاصطفاف والتحزب والإقصاء والحروب، ظهروا من بين كل ذلك لا يألون على شيء سوى العلم والمعرفة والفن الثقافة، وباتوا أيقونات في سماء الوطن، إنهم ثروة وطنية بحق مازال تأثيرهم باقيا حتى اليوم، سواء رحلوا عنا أو غابوا عن المشهد أو كبروا في السن أو يصارعون المرض.
اليوم رأينا بعض الاتجاهات التي تسعى إلى تجاهل هؤلاء، وتقدم عليهم (الشباب) بمبررات المعاصرة والدماء الجديدة والفكر الجديد، وبالغوا في ذلك لدرجة القطيعة مع رواد ذوي فضل كبير علينا، وما هكذا تورد الإبل.
العبرة دائما في المنتج والموقع والمكانة والإبداع والعطاء والريادة، وهي معايير لا يمكن تجاهلها إلا من شخص لا يعرف مكانة الرواد ولم يتلقَ منهم شيئا ولم يتابعهم ولم يكن على ملامحه شيء من تأثيرهم، فطبيعي أن يقول (بالقطيعة) واستبدالهم بالشباب بشكل حدي وقطعي، وهذا موقف غير عادل.
الشباب لهم موقعهم وأهميتهم وحيويتهم، وهم أكثر ناس الآن متماهين مع الزمن والاتجاهات الجديدة، ويستحقون الاهتمام والتشجيع، ولكن بدون تلك المقارنة الفجة التي تفرق بين الأجيال كما تفرق بين الموضات القديمة والجديدة، تجعلك - حينها - تقتنع أن الرجل الذي ينحاز للشباب بصورة قطعية لم يقرأ التاريخ ولا يعرف شيئا عن التراكم المعرفي والانطلاقة من حيث انتهى الآخرون.
يحق للشباب الدعم كما يحق للرواد أن نضعهم في المكان اللائق ولا نركنهم على الرف فهم بشر من لحم ودم وليس حقهم علينا تجاهلهم بأي مبرر، فهم رجال ونساء قدموا لوطنهم الكثير، ومن الحكمة تجنب كل الأطروحات التي تفضل جيلا على جيل، وتذكي الجدل العقيم بين الأجيال فلكل جيل منجزاته، والتكريم والعرفان والمساعدة والاستقطاب لروادنا الأفاضل من شيم الكبار، منهم من يستحق التكريم، ومنهم من يستحق المساعدة، ومنهم من يستحق التقدير، ومنهم من يستحق التوظيف كمستشارين، ومنهم من يستحق توفير المناخ المناسب لمواصلة عطائه، ولا يتعارض ذلك مع دعم الشباب عماد المستقبل.
إذكاء الاحتراب بين الأجيال أمر غير مرحب به عند أهل الحكمة والعدل، لأن المشكلة ليست فيهم، وإنما في أنظمة إدارية تتجاهل (عمليات التدوير) الوظيفي كل أربع سنوات، أو لدى بشر (متعصبين) يجعلون (رائدا ما) عظيما لكل الأجيال.