م. خالد إبراهيم الحجي
إن الحج حدث عظيم يضع قدرات كفاءات وتجارب وخبرات القائمين على إدارته على المحك الحقيقي في اختبار موسمي لتنظيم الحشود المليوينة وإدارتها. والحج في حسابات الحكومة السعودية لا يتوقف عند يوم عرفة فحسب، وإنما هو سلسلة من العمليات المتتالية والمترابطة والمعقدة تتم على أرض صغيرة وفي أيام معدودات. تبدأ باستقبال الحجيج عبر المنافذ، وانتقالهم إلى مكة للطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة، ووقوفهم بعرفة ونفرتهم إلى مزدلفة ورمي جمرة العقبة الكبرى وطواف الإفاضة والمبيت في منى لرمي الجمرات، ونحرهم لملايين الأضاحي والهدي الأفدية، وأداء طواف الوداع آخر عهدهم بالبيت، فمنهم من يذهب إلى المدينة المنورة للزيارة، والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومنهم من يغادر مباشرة إلى وطنه. وقد وصل استشعار المملكة بمسؤوليتها العظيمة تجاه الحجاج إلى درجة مساعدة أصحاب الأمراض المزمنة في المناسك لإكمال حجهم، مثل: مرضى السكر والربو والضغط والقلب، بل وصل كرم الضيافة السعودي إلى درجة إجراء العمليات الجراحية المستعجلة للحجاج بدون تأمين طبي مجاناً في مستشفيات المشاعر المقدسة بلغ عددها في حج هذا العام 1439هـ إلى: (11) عملية ولادة، و(30) عملية قلب مفتوح، و(175) عملية مناظير، و( 513) عملية قسطرة قلب، و(547) عملية جراحة، و(1594) عملية غسيل كلى.. وبعد علاجهم قامت فرق الطوارئ الخاصة بمساعدتهم لإكمال حجهم إدراكاً من حكومة المملكة أنهم جاؤوا من كل فج عميق وتحملوا الصعاب لأداء فريضة الحج، ومن البر إعانتهم لإكمال حجهم.
وفي كل موسم حج تتعرض المملكة إلى هجمات إعلامية ملفقة تحمل رسائل مزيفة تشكك في قدرة المملكة على تنظيم الحشود المليونية وإدارتها، وتحاول تسييس الحج وتطالب بتدويله.. وقد عبر عنها الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي في تغريدة على حسابه في تويتر أصاب بها عين الحقيقة، حيث قال: «أمام النجاح العظيم لموسم حج هذا العام سقطت محاولات التسييس الصغيرة والمرتبكة سقوطاً مريعاً؛ أسطوانة التسييس بدأت إيرانية وانضمت قطر إليها لتفشل فشلها الذريع».
وأفضل رد على هذه الدعاوى الإعلامية الباطلة هو ما عبر به صاحب السمو الملكي خالد الفيصل رئيس لجنة الحج المركزية حيث قال: «يجب تجاهلهم وعدم إعطائهم أي اعتبار، والاستمرار في العمل الدؤوب لخدمة الحجاج مصدر فخر المملكة».. والنجاح المذهل لحج هذا العام 1439هـ يعود إلى عاملين يكمل بعضهما بعضاً وهما:
العامل الأول: الكفاءات البشرية: المتمثلة في المنظومة الحكومية المتكاملة والمترابطة الذين عهدت إليهم حكومة المملكة العربية السعودية تنظيم الحشود المليونية وإدارتها، والمكونة من: قوات الأمن من مختلف القطاعات العسكرية والدفاع المدني، والإدارات الصحية والمدنية، والمؤسسات الدينية، والإعلام بجميع وسائله، والمتطوعين؛ فعملوا جميعاً جنباً إلى جنب بروح الفريق الواحد، وبجاهزية دائمة واستنفار كامل لضمان سير حركة الحجيج بسلاسة وانسيابية وسلامة وأمان داخل المشاعر المقدسة، وسرعة الاستجابة بأسرع ما يمكن لعلاج أي خلل أو مواجهة الطوارئ التي تعكر صفو الحجيج، أو تهدد أمنهم وسلامتهم.
العامل الثاني: التخطيط الجيد لتأسيس البنية التحتية للمشاعر المقدسة: الذي استغرق سنوات عديدة واشتمل على المقومات الأساسية لإدارة الحشود المليونية، أبتداءً من التَوْسِعات المتتابعة للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الحجاج أثناء آداء مناسك الحج المختلفة، وبناء شبكة الطرق والأنفاق والجسور والقطارات لتنقلات الحجاج بسلاسة وانسيابية بين المشاعر المقدسة.
واليوم أصبحت المملكة مدرسة تتعلم منها جميع دول العالم تنظيم الحشود المليونية وفن إدارتها، والمتابعون لحركة الحجاج من المراسلين والصحفيين والمشاهدين من أرض الواقع وعبر الفضائيات رصدوا حركة حشود الحج المليونية وهي تتحرك بسلاسة وانسيابية وسلامة وأمان؛ فشكراً لكل من ساهم في تحقيق هذا النجاح المذهل الذي بدأ بخطة محكمة ومتقنة وشاملة تم تنفيذها بحذافيرها وتفاصيلها؛ فوضعت المنظومة الحكومية المتكاملة والمترابطة تحت ضغوط شديدة لتقديم نتائج تامة بلغت حد الكمال.