«الجزيرة» - عبدالعزيز بن سعود المتعب:
حجاب بن نحيت القائل:
هم الجنود إذا ما حل بي وجل
وإن مرضت فحتمًا هم أطبائي
كان يوم أمس الأحد 26 أغسطس 2018م حزيناً على كل محبي الشعر الشعبي الجزل الأصيل ومكارم الأخلاق الفاضلة والرجولة الحقة لرحيل الشاعر الشيخ حجاب بن نحيت -يرحمه الله- الذي وهبه الله في حياته محبة الناس المتبادلة في كل المواقف الموثقة في وسائل الإعلام بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي التي ضجت ألماً لفاجعة فقده، ولكنها قدرة الله سبحانه وإرادته -جل وعلا- القائل في محكم تنزيله: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (34) سورة الأعراف.
ولد -رحمه الله- عام 1363هـ-1944م في مركز الفوارة في القصيم، اجتمعت له محبة الناس والوجاهة بحكم مكانته الرفيعة في قبيلته الكريمة -حرب- كسليل «شيخة» وبيت عريق، وقد بدأ نجم مواهبه الأصيلة منذ بداية الستينيات الميلادية، تميز شعره بالنظرة الاستشرافية التي سبقت عصره بمراحل، ونجح في أن يختط له نهجاً مختلفاً يحمل بصمة تميزه الباهرة -رحمه الله- منذ ذلك الأمد بشهادة كل منصف -من منظور نقدي- وكان تفاعل الناس مع قصائده كبيراً بحجم تضمينه لروائعه، كل ما هو مختلف عن السائد النمطي بطريقته الخاصة الأقرب للسهل الممتنع، أو كما يحلو لبعض النقاد تسميتها «اللغة البيضاء» التي يفهمها ويتذوق جماليات نصوصها الجميع من دون أن يؤثر أسلوب شاعرها على جزالته المعهودة وتمكنه من أدوات نصه كشاعر قدير من ذلك قوله:
يا ويل من يجرحنّه
بيض العذارى المفاريع
ومنها:
وياموت من صوبنّه
والموت ما فيه ترجيع
وكانت نصوصه الغزلية في غاية الرقة والعذوبة في الوصف حتى كأنها كُتبت هذه الأيام وليس قبل ما يربو على أربعين سنة خلت، مثال ذلك قوله -رحمه الله-:
تمايل بجسمٍ ينطوي كنّه الكرباج
تذوب القلوب العاشقة من تثنّيها
وكانت له -رحمه الله- نظرته العصرية الراقية التي توحي برؤيته الشاملة للأمور من زواياها بعيداً عن الشخصية التقليدية التي ليس لها رأي جريء يخصها حتى في أصغر تفاصيل الذات، من ذلك قوله -رحمه الله-:
بس اشغليكم منِّي
وش لكم بي وبفنّي
يمكن مجبور أغنّي
لو ما هي طبايعنا
يمكن أكثركم سالي
ما يعرف شيء عن حالي
وأنا الشر يعبى لي
في حانا ومانا ضعنا
وقد أرَّث -رحمه الله- مكارم أخلاقه العالية إلى أبنائه الذين هم محل تقدير كل من يعرفهم عن قرب في المجتمع السعودي الكريم، وهم امتداد له كخلف بعد السلف، وقد اكتسبوا منه الكثير من الصفات المشرفة النبيلة، كما أن منهم شعراء معروفين ورثوا عنه موهبة الشعر، وكان لكل منهم أسلوبه الخاص الذي يميّزه، منهم الشاعر المعروف عبدالله بن حجاب بن نحيت -أبو نواف-، وشاعر المليون المعروف زياد بن حجاب بن نحيت الذي أدمى القلوب بقصيدة في والده في العناية المركزة قبل رحيله من هذه الدنيا الفانية بقوله:
من عقب ما كنت أجي له وآخذ علومه
بيني وبينه قزاز وباب وستاره
يالله يا ربي عسى يومي قبل يومه
لا صار ما له علاج وما له زياره
وكان يقول -رحمه الله- شعراً فصيحاً ضمنه أن كل ابن مُصلح من أبناء الوطن هو ابن له، وهذا تعبير عن تلاحم أبناء الوطن في ظل الله ثم ظل ولاة الأمر الكرام -أطال الله عمرهم وأدام عزهم-، وفيه توثيق لوطنية وإخلاص الشاعر حجاب بن نحيت للوطن وأبناء الوطن، ووحدة الصف والكلمة التي دأب عليها أبناء الوطن في السراء والضراء منذ عهد مؤسس الوطن وموحده الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، حيث يقول الشاعر حجاب بن نحيت -رحمه الله-:
أبنائي أبناء كل الشعب أبنائي
لا واحدا اسمه ضم لأسمائي
سيخدموني بيوم ما إذا نجحوا
ويخذلوني إذا عاشوا بغوغائي
هم الجنود إذا ما حل بي وجل
وإن مرضت فحتما هم أطبائي
أسأل الله جلّت قدرته أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته ويدخله فسيح جناته.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** ** **
من عقب ما كنت أجي له وآخذ علومه
بيني وبينه قزاز وباب وستاره
يالله يا ربي عسى يومي قبل يومه
لا صار ما له علاج وما له زياره
** **
- زياد بن حجاب بن نحيت