فهد بن جليد
أخشى أنَّنا فعلاً وصلنا إلى مرحلة ضرورة تعلم أصول وفنون وآداب «اللطش» كشرط لمواصلة التميز في العصر التقني والرقمي الحديث, يقال إنَّ المتنبي كان أشهر «لصوص الأفكار» في عصره, ولكنَّ أحداً لم يستطع أن يثبت عليه ذلك, لأنَّه ببساطة كان مُبدعاً ببحثه عن الفكرة التائهة, التي فشل غيره من الشعراء في تسويقها, فيبدعها المتنبي شعراً وحكمة ونثراً بطريقته الخاصة لتشتهر عنه, وتتفوق على الفكرة الأصلية التي تندثر لاحقاً, ولعل من يُحاولون اقتفاء أثر المتنبي في عصرنا الحالي كثيرون, ولكن المبدعين منهم قليل, أشهرهم القنوات الفضائية التي «تلطش» البرامج من القنوات الأجنبية, وتعيد توطينها في عالمنا, ومن ثمَّ يبدأ سباق «لطش البرامج» فيما بين الفضائيات العربية, تكراراً وتشابهاً يشمل المحتوى والديكور والفكرة والهوية, حتى أنَّك تتمنى «لطش» تلك البرامج باحترافية أكثر, وعدم تشويهها بطريقة مُمِّلة ومُضحكة.
أكثر أنواع «اللطش» أَلَماً هو «لطش الأزواج», وأكثره حسرة هو «لطش الأعمال» الفنية والأدبية والشعرية والثقافية مع افتقارنا لوجود آليات تقاضي سريعة وفورية, تحمي الأفكار والمنتجات وتعيد الحق لأصحابه, أمَّا أغبى أنواع «اللطش» هو أن يُعيد أحدهم إليك فكرة سبق أن طرحتها أمامه بكل عيوبها وميزاتها, وأصعب أنواع «اللطش» أن يقوم المدير بالاستيلاء على إبداع موظفيه عند من هو أعلى منهم, وأّذكى أنواع «اللطش» هو تطوير الفكرة وتحويرها وإعادة تفصيلها بما يتناسب مع الحال الجديد لإخفاء وطمس ملامحها السابقة, وأنذل أنواع «اللطش» هو الاستيلاء على مال الأيتام والضعفاء, وأكثره خسَّة «لطش المال العام».
النسخ واللصق عبر وسائل التواصل الاجتماعي «أسهل أنواع اللطش» وأكثرها انتشاراً اليوم، ما أنتج لنا هذا الكم الزائف من المشاعر والأحاسيس، مؤخراً أحدهم «لطش» بيت شعر ليُهنئني بعيد الأضحى المبارك، ونسي أن يمسح عبارة «فطر سعيد» من ذيل الرسالة، لذا فضلت أن أرد عليه برسالة «صيام مقبول», تذكر دائماً أنَّ «لطش» أفكارك شهادة بتميزك، أنت تستطيع الإبداع بفكرة جديدة أخرى، بينما صاحبنا سيبقى حبيساً لِمَا «لَطَش منك».
وعلى دروب الخير نلتقي.