عبد الله باخشوين
** المجتمعات لا تتغير بين يوم وليلة، ولا على المدى المنظور في بعض الأحيان.. إنها رحلة طويلة، تحتاج إلى العزم والمثابرة في العمل، والإخلاص.. وهذه مجتمعة لا تتوافر إلا إذا توافرت لهذا المجتمع أو ذاك قيادة فذة ومخلصة، تريد أن يبقى ذكرها حيًّا لفترة طويلة من الزمن.. من خلال البصمة الفاعلة والمؤثرة التي تتمثل في تحقيق إنجاز يبقى في العقل والوجدان الجمعي فاعلاً، ينمو ويتطور ما دامت مسيرة النمو الاجتماعي متواصلة ومتجددة في ضوء القاعدة التي استلهمها وبناها التغيير.
ثم يتشعب المعنى ويذهب بعيدًا حسب مفاهيم كل مجتمع على حدة قبل الدخول في الخطوط المشتركة التي تلتقي فيها أخلاقيات ومفاهيم تطور المجتمعات الإنسانية وصولاً للتحديث والتطور الذي يسعى لإنجازه هذا المجتمع أو ذاك للدخول شريكًا في مسيرة الحضارة.. ويؤسس فيه خطوات جديدة، قد لا تتناسب مع طموحات أو إمكانيات مجتمع ناشئ أو صغير.. دون إغفال الرغبة البشرية العامة في الوصول إلى تكامل إنساني متناغم ومواكب.. الأمر الذي يمكن القول معه إن كل مجتمع لا تقوده ولا تسبقه إلا (قوته الاقتصادية) التي تؤدي إلى فتح آفاق جديدة.. لم يكن من الممكن الوصول إلى تحقيق إنجازها دون قدرات اقتصادية مميزة.. ودون استثمار الطاقة البشرية التي تمثل القوة الذاتية التي يمكن تنميتها والاعتماد عليها؛ لذا فإن الدول التي تسعى لتحقيق نهضتها تفتح الباب على مصراعيه، وتقدم دعوة مفتوحة وشاملة، تشجع على الانفتاح والتطور باستغلال مكاسب الجديد المتاح، وتقود المجتمع للتجاوب معها بتخطي كل إشكالاته ومعوقاته السابقة التي تعايش معها واستسلم لها بعد أن عجز عن إيجاد حلول ذاتية وناجحة.
على المستوى (المقابل)، فإن (الدول) لا تستطيع أن تفرض التغيير على مجتمعاتها لمجرد رغبتها في إصدار قرارات دون النظر إلى صلاحيتها وتناسبها مع بنية المجتمع الذي تستهدفه.. لكنها قادرة على سَن الأنظمة والقوانين التي تضمن حسن استثمار بوادر التغيير عندما ترى أن (المجتمع) يتجه قُدمًا في مسار التطور والتغيير.. وتقوم بسَن الأنظمة والقوانين التي تحقق لمسار التطور كل ما يضمن استمراريته ونجاحه بإزالة العقبات التي تواجه نموه، وتعيق استثماره، وتقوم بقراءة آفاق المستقبل بحثًا عن وسائل جديدة، تدفع به للأمام.
وعلى سبيل المثال: فإن التحول الجوهري الكبير الذي حقق قفزات اجتماعية هائلة.. بدأ من خلال النهضة الصناعية الكاسحة التي غيّرت عادات وتقاليد المجتمعات التي نهضت فيها؛ لأن طبيعة فرص العمل وعائدها الاقتصادي هو الذي غير سلوك الناس وأخلاقياتهم، وألغى عاداتهم القديمة التي لا تتناسب مع طبيعة الفائدة المتحققة من الارتباط بالعمل الصناعي.. وأسهم ذلك في تغيير المناهج المدرسية.. وتغيير سلوك الفرد حتى تجاه هواياته وألعابه الرياضية، وأعاد جدولة برنامج حياته اليومية وطرق استثماره لإجازاته الأسبوعية والسنوية.
أما إذا انعطفنا قليلاً فسنجد أن الحروب التي اشتعلت منذ مطلع القرن العشرين هي حروب (اقتصادية)، وأن كل تحولات المجتمعات التي شاركت فيها أو تأثرت بنتائجها مبنية على التحولات الاقتصادية التي أفرزتها نتائج الحروب، وليس العكس.
من هنا يمكن القول إن (الاقتصاد) يشكل جوهر وعصب كل تحول إنساني.. وإن المجتمعات لا يمكن أن تتحول أو تتطور دون أن تسبقها نهضة أو تطور اقتصادي جوهري وفعال.. وإذا عدنا للنظر في إشكالات أي مجتمع، سواء كان متقدمًا أو ناميًا.. فسوف نجد أنها ميراث طبيعي، أفرزته معوقات النمو الاقتصادي التي أدت لاتساع هوة المستوى المعيشي، وانعدام فرص التطور المتوازن بين الطبقات.
ونرى أن مجتمعًا يطمح للنمو والازدهار مثل مجتمع المملكة على مختلف تطلعات أبنائه الذين يعيشون في مجتمعاتهم الصغيرة في ظل تباينات شتى في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعادات والتقاليد التي ينتج منها اختلاف (الأولويات) أيضًا.
في ظل هذا المجتمع نعتقد أن التحول والتطور الاقتصادي هو المفتاح (السحري) للإصلاح الاجتماعي.. وليست الخطوات التحولية التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان سوى قاعدة أساسية لمسيرة طويلة، مهما اتسعت في عمر الزمن لن تكون طويلة أو بعيدة؛ لأن الزمن في عمر (الأوطان) يتجه للنظر لمصالح أجيال وأجيال، وليس شيئًا آنيًا أو وقتيًّا.. ولا يتم التفكير في جني ثماره على زمن قريب فقط، لكن من المؤكد أنه يضع كل أبناء الوطن في اعتباره، وسوف ينتج منه - بأمر الله - إصلاح اجتماعي مهم وهائل على كل المستويات. وإذا قلنا إنه غير مسبوق فإن هذا يعني أن نتائجه الاجتماعية لن تحقق قفزتها المنتظرة إلا بعد اكتمال الخطوط العريضة التي نرى أنها وُضعت على أرض التنفيذ بالفعل.. وهي لن تحقق الكثير ما لم يكن مجتمعنا مهيأ لها بما يحمله من رغبة في التطور والتغيير.. وإذا كانت الفئات الشابة لدينا تطمح لإنجاز تحول كبير وسريع فإن تحول وتطور المجتمعات قام على التفاعل والصبر.. والاحتفاء بكل ما ينجز، واستثماره بطريقة إيجابية.. الأمر الذي يجعلنا ندرك أن عهد الملك سلمان - أمده الله بالصحة، وشد عزمه بكل المخلصين - هو عهد إعادة تأسيس، ينهض به بعزيمة الشباب من حوله الذين يقودهم بأحلام ورؤى وطموحات لا تنتهي ولي العهد زين الشباب الأمير محمد بن سلمان.