د.عبدالله بن موسى الطاير
هل سيطيح الإعلام الغربي عمومًا والأمريكي خصوصًا بالرئيس دونالد ترمب؟ وما هو أساس العداء المتبادل بين الطرفين؟ سؤالان مهمان سوف أحاول الإجابة عنهما في هذه المساحة الضيقة.
ما هو الإعلام الغربي الذي يتحدى رئيس أقوى دولة في التاريخ؟ إنه كما يقول غازي القصيبي - رحمه الله - «مفصل من مفاصل النظام السياسي الغربي، وأي محاولة للاعتداء على الإعلام الغربي أو تقليص نفوذه تعد في نظر الغرب محاولة للاعتداء على الديمقراطية نفسها أو إضعافها». هذا التوصيف يصدق كليًا إذا كان «العدوان» على الإعلام الغربي من خارجه، وجزئيًا إذا كان من الداخل. والرئيس ترمب جاء من الداخل الغربي، وعلى غير توقع أو رغبة من الإعلام الغربي الذي لم يعطه حتى صبيحة الانتخابات في نوفمبر 2016 سوى 15% للفوز بالرئاسة. فماذا يعني ذلك؟ ببساطة الرئيس ترمب لا يدين بدين الإعلام الجديد، وبذلك فهو في نظره «خارجي». القصيبي في كتابه أمريكا والسعودية حملة إعلامية أم مواجهة سياسية يعتبر أن «حرية الصحافة في الغرب مبدأ مقدس لا تستطيع الحكومات المساس به مهما عانت منه»، والرئيس ترمب لم يمس حرية الصحافة لأنها ليست بيده، ولكنه قزمها، واستعدى عليها الرأي العام ووجد تشجيعًا وتأييدًا لخاطبه العدائي ضد الإعلام.
الخطاب الرئاسي الأمريكي يعتبر في عرف الإعلام الغربي الليبرالي رِدة، ذلك أن الإعلاميين الغربيين كما يقول القصيبي في كتابه «يؤمنون إيمانًا مطلقًا بالنظرية الليبرالية الديمقراطية التي تحولت في الغرب إلى (دين جديد)، وتحول الإعلاميون إلى سدنة وكهنة يدافعون عنه بشراسة، كما يدافع أي أصولي متدين عن معتقده». هذا الوصف يوضح لنا حدة الخصومة بين الرئاسة الأمريكية والإعلام الغربي، فالأمر ليس مجرد تغطية خبرية وتحليلية، وإنما أبعد من ذلك بكثير ويمس العقيدة الراسخة في الدين الجديد المسمى «الليبرالية الديمقراطية».
ما يحدث في أمريكا منذ وصول الرئيس ترمب هو إعادة لصياغة المعتقدات، وليس فقط تموضع السياسي في مواجهة الإعلام. الرئيس لا ينتمي إلى هذا الدين المشار إليه، بل مسيحي متدين ويشير خطابه أمام الكنائس وفي التجمعات اليمينية إلى أنه في الطريق المعاكس تمامًا للتوجهات الليبرالية.
الرأي العام الأمريكي انقسم مع الرئيس وضده، ومن أخطر ما يمكن أن تفرزه هذه المواجهات أن 51% من الناخبين الجمهوريين يرون أن الإعلام الإخباري عدو للمجتمع الأمريكي، وأن 64% منهم لا يرون الإعلام الأمريكي الليبرالي جزءًا مهمًا من الديمقراطية. وهذه الإحصاءات كانت ستصعق الراحل القصيبي حين يرى كيف تغير الرأي العام الأمريكي بهذه السرعة عندما وجد من يقوده للتمرد على التابوهات التي فرضها الإعلام الليبرالي.
الحراك التصادمي داخل الولايات المتحدة الأمريكية ليس بين الرئيس ترمب والإعلام الليبرالي، وإنما هو بين الدين المسيحي وبين الدين «الليبرالي الديمقراطي»، وهي حالة تحدث في المجتمعات البشرية ينشأ عنها احتقان بين الديانات والمذاهب والأيديولوجيات ربما يتطور إلى مواجهات عنيفة.
الإعلام الغربي لن يسقط ترمب، فالرئيس أصبح مسلحًا بقاعدة شعبية متمردة على التقاليد السياسية والإعلامية. أمريكا تختبر في حرياتها، ونظامها البرلماني والعدلي، وتواجه منعطفًا خطيرًا سوف يبلغ ذروته عقب انتخابات نوفمبر القادم. فإذا حافظ الجمهوريون على أغلبية في الكونجرس فإن الإطاحة بهذا الرئيس باتت مستبعدة، وبذلك يستعد لولاية ثانية. وإذا حصد الديمقراطيون الغالبية في المجلسين فإن أمريكا ستكون مفتوحة على مآلات خطيرة؛ ذلك أن أتباع الرئيس ترمب كغيرهم من المؤدلجين المتعصبين سيقومون بأي شيء لنصرته بما في ذلك استخدام العنف.