عبد الاله بن سعود السعدون
مع إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، تتصدر قائمة انتخابية واحدة باقي القوائم الأخرى، وحسب نص المادة 76 من الدستور العراقي (تؤلف الوزارة الجديدة الكتلة السياسية التي تحصل على أعلى المقاعد البرلمانية عدداً في الانتخابات العامة)، إلا أن الأحزاب المذهبية القريبة من النظام الإيراني التفوا على تفسير نص هذه المادة الدستورية الواضحة، وضغطوا على المحكمة الدستورية، والتي هواها مذهبياً أيضاً، وقد جاء تفسيرها غريباً بأن الكتلة الأكبر هي التي تكون في أول جلسة برلمانية باتحاد كتل عديدة لتشكيل كتلة أكبر برلماناً، وتعطى حق تشكيل الوزارة، وهذا التفسير اللادستوري الذي أعلنه القاضي مدحت المحمود القريب جداً من حزب الدعوة الإسلامي الحاكم، وبذا أبعد كتلة العراقية الفائزة بالمرتبة الأولى عن تشكيل الوزارة لرفع الفيتو الأحمر الإيراني ضد زعيمها الدكتور إياد علاوي (91 مقعداً)، ومنح هذا الاستحقاق الدستوري لنوري المالكي (89 مقعداً) آنذاك لكونه رجل طهران الأول في بغداد نفس السيناريو يعود اليوم باختلاف مذهبي بكون الكتلتين المتنافستين من طائفة واحدة مذهبياً، فالكتلة المتربعة على المركز الأول يتزعمها السيد مقتدى الصدر (سائرون)، وهي ائتلاف كتل عابرة عن الطائفية والحزبية الضيقة وأعضائها من الصدرين والمدنيين وحتى الشيوعيين في داخلها وشعارهم من أجل العراق ومرشحها الدكتور حيدر العبادي.. والكتلة المنافسة الأخرى والمدعومة إيرانياً وذات صفة طائفيه والمكونة من تحالف الفتح، والذي يضم كل فصائل الحشد الشعبي بزعامة هادي العامري وكتلة دولة القانون برئاسة المالكي، والتي تمثل البيت الشيعي، ويشرف على مفاهماتها الجنرال الإيراني سليماني والسيد مجتبى الحسيني ممثل خامئني في العراق مع الكتل الشيعية الأخرى (كتلة الفضيلة وكتلة فالح الفياض) لمحاولة شقهم عن النصر كتلة العبادي إثر تصريحه بالالتزام في الحظر والعقوبات الأمريكية المروضة على إيران، مما فتح نيران كل عملاء إيران من أحزاب ومليشيات غير منضبطة وملالي عراقيين بالهجوم على رئيس وزراء العراق لدعوته بتنفيذ العقوبات الأمريكية والنأي بالعراق عن ساحة الصراع الإيراني الأمريكي المعلن، مما دفع الحكومة الإيرانية بانتقاد العبادي والعمل على وضع الحواجز أمام توليه ولاية ثانية في العراق، وقد استطاع تجمع سائرون والحكمة والوطنية والنصر من عقد اجتماع تحضيري في فندق بابل في بغاد وإعلان نواة الكتلة الأكبر وعرض نداء ائتلافي إلى التكتل الكردي وكتلة الوفاق الوطني الممثلة للقوى العربية بزعامة خميس الخنجر وأسامة النجيفي وسليم الجبوري، وفي حالة حصول اتفاق رسمي بين كل هذه الكتل مجتمعة سيكون الطريق ممهداً لولادة التشكيل الوزاري العراقي الجديد، ولكن لهذه اللحظات لم يعلن رئيس الوزراء المرشح من قبلها هناك أسماء يعرضها الإعلام العراقي ابتداءً من الرئيس العبادي السيد علي الواوي محافظ ميسان القيادي الصدري ويعود ترشيح السيد جعفر الصدر إعلامياً كمرشح مستقل.. ولتحليل المواصفات التي وضعتها المرجعية الدينية الشيعية في النجف ومكتب الصدر وتطابقهما لن يكون على أي شخصية سياسية مرشحة إعلامياً، بل سيكون إعلان اسمه مفاجأة الشارع السياسي العراقي، ولكن النفوذ الإيراني لا يمكن أن ينسحب بسهولة عن الساحة العراقية ويترك منصب رئيس الوزراء المهم في محور السياسة الإقليمية والمحرك الرئيسي للسلطة التنفيذية العراقية لشخصية لا تنتمي لخطه المذهبي والسياسي، والذي يخشى منه كل أبناء الشعب العراقي بتوجيه بوصلة كل الجهد السياسي لتأليف الوزارة لصالح القوى المدعومة إيرانياً، ومع الضغوط والوعود بالمناصب والعطايا تبدأ حركة الانتقالات للنواب من كتلة لأخرى، ويتغير معها مجاميع كل كتلة برلمانية والسيد المالكي باستشارة سليماني وتوجيهه من الساسة الذين يعتمدون هذا الأسلوب الزئبقي ويعود البيت الشيعي للتوحد مرة أخرى، ويعود نظام المحاصصة الحزبية الطائفية القومية، ويتم تقاسم الحقائب الوزارية حسب المكونات الشيعية والسنية والكردية وتعود المسرحية الطائفية مرة أخرى.
وجاءت مطالبة نائب الرئيس الإيراني معصومة ابتكار بالتعويضات عن حرب الخليج الأولى، والتي دامت ثمانية أعوام بسبب التعند والحقد الإيراني، وردد هذه النغمة النشاز أيضاً نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني محمود صادقي بمطالبة حكومة العبادي بمبلغ ألف ومائة دولار أمريكي كتعويضات حرب وتحرك عملاء ملالي قم في بغداد، حيث دافع جلال الصغير القيادي في المجلس الأعلى العراقي، وأيد مطالبة حكومة إيران بتريليون ومائة مليار دولار تعويضات للجمهورية الإيرانية الإسلامية على حد ادعائه بنص المادة السادسة للقرار مجلس الأمن الدولي رقم 596، والذي لم يذكر به أي تحديد لنوعية تلك التعويضات التي ادعاها الصغير.. وجاء الرد الوطني العراقي حاداً وغاضباً على لسان النائب الشيعي المستقل متهماً إيران بقتل أكثر من مليون مواطن عراقي وتخريب كل البنى التحتية للمدن العراقية وإدخاله للقاعدة الإرهابية في عام 2003م إبان الغزو الأنكلو أمريكي للعراق وإيران هي المسؤولة عن استمرار الحرب لثمانية أعوام، ولا بد من مطالبتهم بالتعويضات لعنادهم وحقدهم على الشعب العراقي، ولرب ضارة نافعة فقد كان هذا الهراء الإيراني بفتح الدفاتر القديمة بالتعويضات وبهذه الأرقام الهزلية مما قلب الشارع الوطني العراقي على كل عملاء إيران ومعهم ملالي طهران، وأثار هذا الغباء السياسي للدبلوماسية الإيرانية بإثارة مثل هذه الأمور الاستفزازية للشعور القومي لدى الشعب العراقي بكل أطيافه الوطنية وضعف التأيد في الوسط والجنوب العراقي للكتل المدعومة من إيران وأعطى زخماً تأييدياً لمجموعة ائتلاف الصدر مع العبادي لتشكيل الكتلة الأكبر وإعلانها في الأيام القليلة المقبلة..كل القوى الوطنية العراقية بعربها وكردها وجميع الأطياف المشكلة للمجتمع العراقي النهوض على شكل نداء رجل واحد رافضين الطائفية، وسيطرة النفوذ الإيراني الأمريكي بالقرار الوطني العراقي والائتلاف بجبهة واحدة تسعى لتشكيل وزارة وطنية مستقلة بعيدة عن التسلط الإقليمي والدولي وترفع شعار المواطنة في الداخل واستقلال القرار السياسي العراقي في الخارج والعمل على إعادة أعمار العراق الموحد.