هذا المقال ليس نعياً أو رثاءً أفصِّل وأسرد فيه فضائل أبي الراحل الأستاذ عبدالرحمن بن صالح المصيبيح - رحمه الله وجمعني وإياه في جنات الفردوس الأعلى- فعمالقه الصحافة في المملكة العربية السعودية استطاعوا بكل مهنية واقتدار بما كتبوه تفنيد وجمع ما استطاعوا به لتوضيح وتبرير امتيازات والدي الشخصية والمهنية وعطاءاته التي انتشرت في أرجاء مجتمع الصحافة والإعلام الرياضي والمحلي والتربية والتعليم لخمسة عقود.
اليوم أنا أناقش معكم ولكم أحبتي لماذا اعتبرت والدي صحفياً بامتياز أو مميزاً، فالصحافة بمعناها البسيط هو نقل الأحداث والأخبار والمعلومات التي تخص مواضيع معينة باختلاف تخصصاتها وصياغتها بكل مهنية لتكون واضحة ومفهومة لقراء الصحف الذين بدورهم يستطيعون معرفة كل ما يدور في مجال ما وكيف لهم أن يمارسوا حقوقهم وواجباتهم كمواطنين تماشياً مع المتغيِّرات التي تطرأ بشكل مستمر، وهنا تكمن قوة ومهارة المحرِّر الصحفي المهنية.
امتلك والدي - رحمه الله تعالى- مجموعة من المواصفات الاستثنائية التي قد لا توجد عند كل الصحفيين، واستطاع توظيفها مهنياً بشكل راق ونبيل، فهو ابن لعائلة عريقة تعود علاقتها إلى الإمام عبدالرحمن الفيصل - رحمه الله- والد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - طيّب الله ثراه-، حيث ختم القرآن الكريم على يد الشيخ محمد بن مصيبيح جد والدي - رحمه الله - الأستاذ عبدالرحمن المصيبيح، كما أن فقيدنا ابن أو أخ أو عم لأفراد عائلة المصيبيح التي لها حضورها المجتمعي كلاً في تخصصه ومجاله، وهذا ما جعل لإقبالته احتراماً وتقديراً من المسؤولين.
نعود للمجال الصحفي الصرف بعيداً عن الامتيازات الشخصية التي كان يمتلكها عبدالرحمن المصيبيح الذي اعتقد وآمن بدوره كصحفي وأن واجبه المهني يحتم عليه نقل المعلومة بأتم وأكمل أشكالها، ولكي يستطيع استخلاص المعلومات بشكل مريح وبدون ضغوط على المسؤولين؛ فكان - رحمه الله - يعرف كيف يهيئ البيئة المناسبة للقاءات الصحفية ليكون المسؤول في وضع مريح لشرح وتوضيح موقفه كمسؤول وماذا يريد أن يقول للمجتمع، فالمسؤولون باختلاف مهامهم يمرون بضغوط كثيرة سواء من كثرة الأعمال أو السباق مع الزمن لتحقيق الأهداف، كل تلك الظروف قد تجعل المسؤول لا يستطيع أن يكون على أفضل وضع نفسي بشكل دائم، وهنا تبرز القيمة المهنية لوالدي عبدالرحمن المصيبيح فهو يعي ويميز حجم الضغط الشديد الذي قد يتأثر به المسؤول، فيستطيع بخبرته الشخصية والمهنية أن يسرق لحظات قليلة ليخرج المسؤول من الضغط الهائل وكثرة الأسئلة وكثرة تفاصيلها «فيمازحه» أو «يذكّره بذكرى جميلة» أو «يذكّره بأنه أنجز في الماضي وسوف يستطيع الإنجاز في المستقبل»، فيبتسم المسؤول ويخرج من أجواء الضغط فيجيب على الأسئلة براحة وبتركيز، فهذا الذكاء المهني الذي كان يمتلكه عبدالرحمن المصيبيح جعله ينفرد بالكثير من الأخبار والمعلومات المفيدة والتي توضح الحقيقة لقراء صحيفة الجزيرة.
من يعرف عبدالرحمن المصيبيح - رحمه الله - يعي جيداً أنه كان يرتبط مهنياً بشكل مركز بإمارة منطقة الرياض وأمانة منطقة الرياض والهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض، ونحن نتحدث عن 45 عاماً مضت، قبل أن تكون منطقة الرياض واحدة من أجمل وأهم مناطق المملكة العربية السعودية، فكان محرراً صحفياً متخصصاً لشؤون منطقة الرياض، عندما كانت الرياض حلماً وتطلعاً ورؤية ورغبة لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - عندما كان أميراً لمنطقة الرياض، فكانت مراحل تحقيق حلم «الرياض الجديدة» ممنهجاً منظماً اعترف بالعامل الزمني والمترتبات المادية والمعنوية لتحقيق الحلم الذي تحول إلى رؤية ثم انطلق كخطة منهجية واضحة الأهداف والمعالم، وهنا برز دور عبدالرحمن المصيبيح المحرر الصحفي الذكي الذي استطاع فهم وتصور رؤية وخطة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- وكان عبدالرحمن المصيبيح - رحمه الله- واثقاً من تحقيق الرؤية والخطة لما استشعره من قوة الخطة والرؤية، فبدأ يغطي التخطيط صحفياً وينقل للقراء والمتابعين خارطة الطريق التي سوف توصلنا إلى الرياض الجميلة المتطورة التي سوف تستطيع استيعاب جميع الاحتياجات، ومضت السنوات وهو يغطي ويتابع مراحل الإنجاز التي تتحقق في منطقة الرياض ويسلط الضوء عليها ويوضح أن ما أنجز هو نتاج تخطيط محكم، كما سلط الضوء على مجهود صاحب الرؤية سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- ووضح مدى جدية الأمر وأن رحلة البناء والإنجاز مستمرة.
كانت التغطية الصحفية لمنطقة الرياض بالنسبة لعبدالرحمن المصيبيح رحلة حياة مهنية التزم بها، وكان على يقين بأن منطقة الرياض سوف تكون نموذجاً ومثالاً للمدن ليس محلياً فقط إنما على المستوى الإقليمي والدولي، حتى مع تغيّر أمراء وأمناء منطقة الرياض، إلا أنه بقي صامداً فخوراً ينتظر المزيد من الإنجاز لمنطقة الرياض حتى في آخر أيامه - رحمه الله - وهو يتباهى بالرياض وكيف أنها أصبحت العاصمة الرمز في البناء والعمار والجمال وأن سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- سوف يجعل كل المملكة العربية السعودية بهذا الجمال والأهمية بمعية واهتمام سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله وأدام عزهما.
كان الأستاذ عبدالرحمن المصيبيح - رحمه الله - يعي ويميز المهارات واختلافها ويعتقد أن استمرار إتقان ما تقوم به أولى بك من أن تضيف لنفسك مهام لا تتقنها لأجل منصب أو لتدرج إداري، فكان لديه يقين بدوره وما يستطيع أن يقدّمه لصحيفة الجزيرة، وكان داعماً قوياً لجميع رؤساء التحرير الذين مروا على جريدة الجزيرة وكان يعي تماماً أنه مسؤول عن مهمة معينة تساعد وتدعم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة رئيس التحرير وزملاءه في جريدة الجزيرة، وسوف أفنّد قليلاً فيما اعتقده - رحمه الله - في رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد المالك، العلاقة القديمة المتجدِّدة التي تميّزت بالوضوح والإنتاجية، فكان عبدالرحمن المصيبيح - رحمه الله - مؤمناً بأن خالد المالك صاحب السيرة الذاتية الذهبية الذي نقل جريدة الجزيرة إلى مكانتها اليوم، الأقدر والأجدر بأن يكون قائد جريدة الجزيرة، وكان رحمه الله يرى في الأستاذ خالد المالك خير القائد وخير الرئيس وخير الزميل إلى أن انتقل إلى جوار ربه والدي الأستاذ عبدالرحمن المصيبيح، حفظ الله لنا أبا بشار وأبقاه رمزاً لصحيفة الجزيرة نفخر به كما فخرنا بوالدنا.
** **
- بدر بن عبدالرحمن المصيبيح
تويتر: @BadrMusaibeh