ليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص مستعلنة للجميع، ويُهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة؛ وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها..
فمع إشراقة أول يوم من شوال، يوم الزينة والزيارة، تعود السرور إلى القلوب، وتعود البركات والخيرات بعودة العيد، لكثرة عوائد الله تعالى فيه على خلقه بأن بلغهم عرفة وأتم عليهم النعمة، وأعانهم على إتمام ركن من أركان الإسلام، يخرجون فيه مكبرين تعظيمًا لله، وبرهانًا على ما في قلوبهم من محبته وشكره.
ففي العيد أكثر من معنى في النفوس، فالفرح فيه مهارة تربوية لا يأنسه الإنسان المحروم الذي لا يعرف كيف يفرح أو يبتسم، فالنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم - كان يحمل هموم الأمة، وكان جادًا ومع ذلك كان أكثر الناس تبسمًا وسعادة وتفاؤلاً... فسمح للأحباش في يوم العيد أن يتراقصوا بالحراب وأين؟ داخل مسجده!!، وسمح لجاريتين أن تُغنيا لعائشة في يوم عيد وأين؟ في قعر بيته!!، وقال عن أيام العيد أنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، وسمح فيها بإظهار اللهو المباح ليُشاهده الناس كلهم وليعرف غير المسلمين بأنه -صلى الله عليه وسلم- قد بُعث بالحنيفية السمحة وليعلموا أن في ديننا فُسحة.
فلماذا يعز علينا إذا لم نكن سعداء فعلى الأقل أن نُسعد من حولنا ولو بكلمة أو بسمة عذبة ولو مُجاملة؟!... لماذا لا نتصنع السعادة لأجل أن يعيشُها حقيقة من هم حولنا؟.. ولنتجمع حول أبناء وبيوت شهدائنا ومصابي الوطن من جنودنا الأبطال.... أن نتجمع كعائلة ونبادل أبناءهم العيدية لرفع العبء عن كاهل أبائهم حماتنا على الحدود ونُنسيهم البعد والحرمان منهم... ولا ننسى اليتامى والفقراء ومن حولنا من المُقيمين وأبناء السبيل ممن يقومون بخدمتنا بنية الصدقة والإحسان لنيل الأجر والثواب.
إن العيد مدرسة تربوية واجتماعية عظيمة، وصفه الأديب الراحل مصطفى صادق الرافعي بكتابه القيم (وحي القلم) قائلاً: (وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة)، حفظ الله الوطن وحماته، ومن قام على خدمة بيته الكريم، وأعاد حجاج بيته لأوطانهم سالمين فائزين.. وتقبل الله طاعتكم.
** **
Ibrahim.glal@gmail.com