الجزيرة - المحليات:
رفع المشاركون في مؤتمر «مفهوم الرحمة والسعة في الإسلام» الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في منى أسمى آيات الشكر والعرفان لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - على ما يسر الله لهما من تقديم خدمات إسلامية جليلة للأمة وقضاياها، وللحرمين الشريفين وقاصديهما، مشيدين بالرعاية الكريمة والخدمات المتميـزة المقدمة لحجاج بيت الله الحرام من القطاعات الحكومية كافة؛ الأمر الذي سهل على ضيوف الرحمن أداء نسكهم في أجواء عامرة بالأمن والإيمان والسكينة والاطمئنان في يسر وسهولة.
جاء ذلك في البيان الختامي للمؤتمر الذي اختتم بمشاركة خمسمائة عالم ومفكر، مثلوا علماء الأمة الإسلامية من 76 دولة حول العالم. وقد شدد المؤتمر في توصياته على ضرورة تطوير آليات ووسائل وأساليب الخطاب الديني مع المحافظة على ثوابت الهوية، بما يراعي فوارق الزمان والمكان والأحوال، ويتلاءم مع راسخ الإسلام، ويعالج مشكلات المجتمعات المعاصرة.
ودعا المؤتمر إلى إقرار مادة القيم الإسلامية والمشتركات الإنسانية كمتطلب أكاديمي لجميع التخصصات في الجامعات العربية والإسلامية. مشددًا على ضرورة تشجيع البحوث والدراسات التي تؤصل لمبدأ الرحمة والسعة في الإسلام، وتبرز أهميته، وتسعى للتعريف به ونشره. لافتًا إلى أن الرحمة والسعة هما الميزتان الأكثر تأثيرًا في الأحكام الإسلامية، وبها أصبحت منظومته الأخلاقية مختلفة تمامًا عن المنظومة النفعية. وذكر المؤتمر أن الإسلام برحمته الواسعة والشاملة، وتجربته الحضارية الفريدة، ومرونته المشروعة، ينسجم زمانًا ومكانًا، ويتعايش ويتعاون مع الجميع بشهادة واقعات التاريخ الموثقة لا المنتحلة على الإسلام والمسلمين.. موصيًا بإبراز جوانب الرحمة والسعة في الإسلام، وذلك بالتصدي لكل من ضيّق على الناس في دينهم ومعاشهم، وكل من فتن بعضهم ببعض بفاسد أفكاره ومتطرف أقواله وأفعاله؛ فأشاع العداوة والبغضاء والكراهية.
وشدَّد المؤتمر على ضرورة بيان أن بعض مظاهر الانفلات والفوضى المنتجة للقسوة والتشدد التي تعتري بعض بلدان الأمة المسلمة في الوقت الحاضر لا تعبر عن تراثها الأصيل وتاريخها الحضاري الممتد.. مناشدًا وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة أن ينتجوا ويبثوا برامج نوعية، تهدف إلى تعزيز قيمة الرحمة في الإسلام، وإبرازها، ودعوة العلماء والمتخصصين إلى إنتاج مواد إعلامية عن قيم الرحمة والسعة في الإسلام لتعزيز حضورها التطبيقي في متلازمة سلوكية.
وكان المؤتمر الذي افتتحه معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى قد انطلقت فعالياته بكلمة لسماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، قال فيها إن الإسلام دين اختاره الله ليكون خاتمة الأديان السماوية وأشملها وأجمعها لمعاني الخير والإحسان والرحمة واليسر والسماحة والسعة للناس أجمعين، ولما جعل الله هذا الدين دين البشرية جمعاء إلى القيامة جعل هذا الدين صالحًا لكل زمان ومكان، ولمختلف البيئات والبلدان وفي جميع الأمصار والأقطار.
وتابع سماحة المفتي: إن من السمات التي جعلت هذا الدين صالحًا لكل زمان ومكان، ومقبولاً عند الناس على مر الزمان، أنه دين الرحمة واليسر والسماحة، ليس فيه تشديد، ولا تعسير، ولا تعنيت، بل رسالة اتسمت بالبشارة والتيسير والرحمة؛ إذ وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الدين بأنه يسر، ونهى عن التشديد فيه.
ورأى سماحة المفتي أن الاختلاف في العادات والبيئات له أثره حتى في اجتهاد الفقهاء بناء على مراعاة كل فقيه لعوائد القوم الذين عاش بينهم؛ فأفتى بموجبها ومقتضاها ما دام لا تخالف نصًّا من كتاب أو سنة، ولا تنقض حكمًا شرعيًّا؛ فاختلفت الاجتهادات والفتاوى بين الفقهاء المجتهدين بسبب ذلك، وغير ذلك من أوجه ومظاهر اليسر والسعة في الإسلام التي لا تخفى على البصير واللبيب والناظر المنصف في شريعة الإسلام وأحكامها وأصولها وقواعدها.
وشدد سماحة المفتي على أن من مظاهر رحمة الإسلام وسعته المعاملة الحسنة مع أهل الكتاب الذين اختاروا البقاء في بعض ديار المسلمين، أو الذين دخلوها بعهد وأمان، فإنهم قد عاشوا في ظل دولة الإسلام آمنين مطمئنين، يتمتعون بحقوقهم، ويمارسون شؤون حياتهم بكل يُسر وسهولة، وقد حفظ لهم الإسلام دماءهم، وأموالهم، وأعراضهم، والمملكة خير أنموذج لمظهر اليسر وانتهاج منهج الوسطية الإسلامية؛ إذ كانت قِبلة لجميع المسلمين، بل لغير المسلمين ممن دخل في عهد الدولة وأمانها؛ ليعيشوا على أرضها، ويمارسوا أعمالهم بكل أمان واطمئنان وراحة بال.
وثمَّن سماحة المفتي في ختام كلمته جهود المؤتمر المبارك للخروج بنتائج إيجابية ومُرضية، كما شكر معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى وسائر العاملين في إدارات ومكاتب رابطة العالم الإسلامي والمشاركين في هذا المؤتمر من علماء ومشايخ وباحثين على مشاركاتهم العلمية وأبحاثهم القيمة التي أثرت محاور هذا المؤتمر وموضوعاته المختلفة.
بعد ذلك ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمة، رحب فيها باسم رابطة العالم الإسلامي بالحضور العلمي والفكري، مضيفًا: إن محك السلوك في قيم الرحمة والسعة يكشف مستوى استيعابها ومصداقية العمل بها. مضيفًا بأن السعة أصل ثابت وقيمة عليا في الإسلام، قيدها البعض «جهلاً أو غلوًا» بالضرورة أو الحاجة، حتى احتاط للحرام دون الحلال، فكان التضييق والعنت.
وقد تتابعت جلسات محاور المؤتمر، وفيها أوضح معالي مدير جامعة القرآن الكريم بالسودان الأستاذ الدكتور أحمد سعيد سلمان أنه مما يناسب هذا المقام أن أقول شيئًا في حق هذه المملكة، وفي حق رابطة العالم الإسلامي، وهو التقدير مع الدعاء بالتوفيق والتأييد لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، والتقدير للشعب السعودي الأصيل على بذل الكثير لضيوف الرحمن وهم يؤدون نسكهم في سهولة ويسر. والتقدير لرابطة العالم الإسلامي وأمينها العام.
وتابع قائلاً: لقد رأينا هذه الرابطة في أصقاع الدنيا. هذا العمل الكبير لم يأتِ من فراغ، وله دلالات عدة. الدلالة الأولى هي صدق النية وإخلاص العمل لله عز وجل. والثانية هي الرؤية الواضحة للمنظمة والقائمين عليها في بلوغ أهدافها وآمالها. والثالثة هي النهج العلمي في التخطيط. والرابعة هي الإرادة والتوكل على الله - عز وجل -. والدلالة الخامسة هي الهمة العالية للقائمين على هذه المنظمة الذين يحملون النفس حملاً إلى غاية كمالها من العلم والعمل.
ودعا معالي مدير جامعة القرآن الكريم إلى تأسيس مجتمع الرحمة والتآخي بإشاعة قيمة الرحمة في المجتمع، وإغاثة المنكوبين والملهوفين.
فيما تحدث الأستاذ الدكتور هارون الرشيد أيوب عميد كلية أصول الدين بالجامعة العالمية الإسلامية في إسلام أباد منوهًا بفكرة المؤتمر، ومشيرًا إلى أن الأصل في معاملة الإسلام لسائر الناس هو الرحمة والإحسان؛ وذلك لأن الله - عز وجل - حصر علة إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرحمة، وجعلها شاملة للعالمين، وليست خاصة بالمسلمين وحدهم، وليأمر المؤمنين بفعل البر والقسط لمن لم يتقدم إليهم بعداوة في الدين أو إخراج من الديار، بل دعاهم إليه بذكره أنه يحب المقسطين.
وختم الدكتور كلمته بالتعبير عن تقديره للجهود العظيمة التي تشكر عليها المملكة، وتشكر عليها الرابطة بقيادة معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، قائلاً: إن جمهورية باكستان الإسلامية بصفة عامة، والجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد بصفة خاصة، تستفيد وتقتدي بهذه الجهود القيمة.
كما تحدث الدكتور محمد بلحسان رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بجامعة ابن طفيل بالمغرب قائلاً إنه لما أشرق نور الإسلام تجلى عصر الرحمة، وأظل زمن الرأفة والرقة؛ فتحررت الإنسانية من سلطان القسوة والغلظة. ولفت إلى أن الناظر في المصدرين الأصليين للإسلام (القرآن والسنة)، ومصادر التشريع عمومًا، وتاريخ الأمة، وفكرها، وثقافتها، وآدابها، وعاداتها، وتقاليدها، يجد الرحمة حاضرة ومسيطرة على مفاصل الثقافة والفكر الإسلاميين، لا تغيب عنهما في أي مجال من مجالات الحياة.
وختم الدكتور بلحسان محوره بأن اختيار رابطة العالم الإسلامي موضوع الرحمة والسعة في الإسلام لمؤتمر الحج يعد اختيارًا موفقًا؛ فهو موضوع الساعة، يعالج - إن شاء الله - قضايا ملحة، ويجلي - بإذن الله - رحمة الإسلام لكل العوالم على اختلاف أجناسها وألوانها.