د. محمد بن يحيى الفال
نقلت لنا وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بمعية سمو وزير الداخلية وهو يتابع تحركات الحجاج بمشعر منى من مقر إقامته فيها. واتضح من الصور حجم الاهتمام المنبثق عن دراية تامة بحجم المسؤولية ولأدق تفاصيلها لموقف عظيم مُفعم بالطمأنينة رغم الأعداد الكثيفة وفي رقعة صغيرة تكتظ بجموع المؤمنين المكبرين المهللين في مشهد إيماني يندر مثيله والذي تسخر له المملكة كل قدراتها وإمكاناتها وتقف فيه البلاد بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده من أقصاها إلى أقاصها مستشعره حجم وشرف الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقها لخدمة ضيوف الرحمن والسهر على راحتهم وتقديم الخدمات لهم بأرقي وأفضل المستويات مع أمن وأمان منقطع النظير لجعل أدائهم لشعيرة الحج التي فرضها المولى سبحانه وتعالى عليهم مرة واحدة في العمر أمراً ميسراً برغم كافة الصعوبات ذات العلاقة، بداية من الطقس ونهاية بضيق المساحة مقارنة بكثافة الأعداد ومروراً بتحديات الدعم اللوجستي المقدم للحجاج سواء كان ذلك ما يخص مشربهم ومأكلهم وتنقلاتهم وتوفير الرعاية الصحية لهم. وبالحديث عن الرعاية الصحية المقدمة لحجاج بيت الله، فالمرء لا بد أن يقف تقديراً واحتراماً للمستوى الصحي الراقي الذي وصفته مندوبة منظمة الصحة العالمية في حج سابق بأنه لم يكن في مخيلتها أن تصل جودة الخدمات الصحية التي تقدمها المملكة للحجاج لما وصلت إليه من تطور واحترافية تضاهي مستويات مثيلاتها في الدول المتقدمة، بل تتخطى المعايير المهنية التي تضعها منظمة الصحة العالمية نفسها.
الحج أضحى في المملكة ومنذ سنوات منظومة عمل تشمل كافة وزارات ومصالح الدولة، كل جهة فيما يخصها بفارق مهم جداً وهو أن كل هذه الجهات ومنذ سنوات أصبحت تعمل تحت مظلة واحدة لتنسيق كافة أعمالها وهي لجنة الحج العليا التي يرأسها سمو وزير الداخلية ولجنة الحج المركزية التي يرأسها سمو الأمير خالد الفيصل مستشار حادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة. وكما قد لا يختلف اثنان على أهمية الجانب الإعلامي في تغطية موسم الحج وتقديمه للعالم كرسالة سلام من المسلمين لكافة شعوب المعمورة الذي أصبح ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وعلى المستوى الدولي من أهم المواضيع التي تلقى أهمية ومتابعة من قبل الرأي العام في كافة دول العالم، ولقد فطنت وزارة الإعلام لأهمية الحج في إيصال صورة إيجابية عن المملكة بشكل خاص وعن عموم المسلمين، وعليه ففي حج العام المنصرم اختارت وزارة الإعلام شعار «السعودية ترحب بالعالم» واختارت لموسم هذا الحج شعار «العالم في قلب المملكة» وفي تطور مميز وغير مسبوق قامت به الوزارة هذا العام فقد أصدرت كتيباً مصوراً بست لغات هي: العربية، الإنجليزية، الروسية، الصينية، الأوردية والفارسية وتوج الكتيب بكلمة ترحيبية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ونصها «نرحب بحجاج بيت الله الحرام، الذين بدأوا بالتوافد من مختلف دول العالم إلى المملكة لأداء فريضة الحج، سائلاً الله تعالى أن يتقبل حجهم ويوفقهم لأداء الحج المبرور، الذي ليس له جزاء إلا الجنة»، رسالة مليئة بالمحبة من خادم الحرمين الشريفين ملك البلاد لكافة الحجاج باختلاف بلدانهم وثقافاتهم.
وكما هي الحال في أغلب مواسم الحج نسمع المزيد من الأخبار السارة الهادفة لبذل المزيد من الجهد لتطوير كافة الخدمات المتعلقة براحة الحجاج والمعتمرين ومنها ما أكده سمو الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة الذي أكد بأن سمو ولي العهد نائب خادم الحرمين الشريفين ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز أطلعه باهتمامه الشخصي بتطوير كل الأمور المتعلقة بالحج والعمرة سواء في مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو في باقي المشاعر المقدسة وهو الأمر الذي تم بخصوصه ولتحقيق رؤية سمو ولي العهد 2030، فقد تم مؤخراً إطلاق صندوق الاستثمارات العامة لكل من مشروعي رؤي الحرم بمكة المكرمة ورؤى المدينة بالمدينة المنورة واللذين يهدفان لتحقيق رقم 30 مليون حاج وزائر بحلول العام 2030، ويتوقع أن يوفر المشروعان 360 ألف وظيفة عمل وباستثمارات يبلغ حجمها 15 مليار ريال.
حظي موسم هذا الحج بتغطيات إعلامية مميزة من قبل وسائل الإعلام المحلية ومن قبل العديد من شبكات الإعلام الدولية ومن الوفود الإعلامية المصاحبة لبعثات حجها الرسمية، في حج العام المنصرم تركز الاهتمام على قصة الحاجة الإندونيسية ماريا مارغاني ذات المائة والأربع سنوات، التي لم يمنعها سنها وضعفها من تلبية نداء الحج ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز باستضافتها على برنامجه المميز والسخي الذي يستضيف سنوياً الآلاف من الحجاج والمعتمرين، ولعل التميز الذي شاهدناه في تغطية الحج لهذا العام جاء من قبل المذيعة السابقة لقناة الموسيقى الأوروبية أم.تي.في، الألمانية كريستينا باكر (Kristiane Baker)، التي اعتنقت الإسلام وسجلت على قناة اليوتويب انطباعاتها لتأديتها مناسك الحج وكيف أن روحها أصبحت مطمئنة بعد إسلامها وكيف رأت الإسلام الجميل في مكة المكرمة وأشادت بالجهود العظيمة التي تقدمها المملكة على مدار الساعة وعن نيتها إصدار كتاب عن رحلتها للحج بعنوان «من قناة أم.تي.في إلى مكة». وكما هو الحال مع الأخبار السارة التي نسمعها من قبل المسؤولين في كل موسم حج فإن بعض الموسم لا تخلو كذلك ممن يحاول تكدير صفوه وجُلهم من خارج المملكة ممن ملأ الحقد قلبه وحواسه ولعل المؤسف حقاً ان يتفوه من يدعى العلم بالدين ويتولى منصب الفتوى في دولة قطر بالقول في تغريده على منصة تويتر بأن الله في غنى عن حج الناس لبيته، مقولة لم يسبقه بها أحد وفاجأت حتى مناصريه ومؤيديه. سقطات هذا الرجل ليست جديدة ولا غريبة وبالعودة بالذاكرة إلى شتاء 2003 أو 2004 فقد ظهر شاكياً باكياً من خلال برنامج «الشريعة والحياة» الذي خصص له من قبل قناة الجزيرة لنشر سمومه وتحريضه، وأدعى في تلك الحلقة بأن البعض يرغب في التعدي على برنامجه وبأنه لن يسمح بذلك وبدأ في التذمر الشديد الذي لم تنفع معه محاولات مقدم البرنامج لتهدئته وتبديد مخاوفه، عليه فإن من تذمر وعلى الملأ من أمر من أمور الدنيا فليس من المستغرب عليه أن يفتي فتاوى ضالة مضلة من أجل إرضاء عرابيه في الدوحة.
حج هذا العام كان حجاً والحمد لله ناجحاً بكل المعايير وتوج هذا النجاح بكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التي ألقاها على جمع من رؤساء البعثات والوفود الإسلامية للحج في مقره بمشعر منى وأكد فيها على أن تضحيات منسوبي القطاعات العسكرية في الدفاع عن الوطن ومقدساته ومقدراته هي محل فخرنا واعتزازنا، وبأن المملكة تتذكر في هذا اليوم المبارك تضحيات أبناءها الأبطال الذين استشهدوا دفاعاً عن وطنهم، وجاء في الكلمة رسالة للعالم بأجمعه بأن خدمة ضيوف الرحمن هي ثقافة وديدن كل من يعيش على تراب هذا للوطن الغالي سواء أكان مسؤولاً أو مواطناً» وإننا في المملكة العربية السعودية وقد شرفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما نذرنا أنفسنا وإمكاناتنا، وما أوتينا من جهد قيادة وحكومة وشعباً لراحة ضيوف الرحمن، والسهر على أمنهم وسلامتهم»..