د. خالد عبدالله الخميس
الجدولان اللذان بين أيدينا يشيران لمرتبة السعودية في كل من الإنفاق المالي للبحوث (جدول1)، والإنتاج العلمي للبحوث (جدول2). فالجدول الأول يوضح أن السعودية تحتل المرتبة العشرين في الإنفاق البحثي. وهذه المرتبة المتقدمة تُعتبر مؤشرًا إيجابيًّا في نظر المراقبين.. لكن فحوى الجدول الأول لا تتسق مع فحوى الجدول الثاني الذي يبيِّن أن السعودية تحتل المرتبة الثالثة والأربعين في الإنتاج البحثي؛ فعدم تماشي التمويل المالي للبحوث مع الإنتاجية البحثية فيه إشارة إلى أن هناك دلالة ما. وأقرب معاني هذه الدلالة هو أن المبالغ المصروفة للبحوث أكثر بكثير من إنتاجية البحوث المقدمة؛ الأمر الذي يشير إلى احتمالية وجود سوف تصرف في المال المستخدم في تمويل البحوث.
والنشاط في البحث العلمي من الأعمال الشريفة التي لا تقبل الخدش في نزاهتها وصدقها. والباحث هو أكثر إنسان مؤتمن على العلم ونتائج البحث؛ فإن خدشت النزاهة في حسابات المنحة المالية فلا يؤمن من أن تخدش مصداقية البحث نفسه.
ومن الشائع اعتقاد كثير من الأكاديميين أن أهم عامل لتقدم البحث العلمي هو توافر الدعم المالي للبحوث، وإغفال حقيقة أن البحث العلمي يلزمه قبل كل شيء توافر العقول والأدمغة المولعة بالبحث، وتوافر أرضية تعاونية وتكاملية في الفريق البحثي، ويكون هاجسه الأساسي هو البحث عن إجابات لتساؤلات علمية مشتركة، واختبار افتراضات معينة عبر تجارب واستقصاء بحثي.
والجدول (1) يشير إلى توافر الدعم المالي في السعودية بأرقام تفوق الإنتاجية البحثية (جدول2)، وإن كنا نتفق على أن الهدف الأساسي من الدعم المادي للبحث العلمي هو دعم فكرة البحث في المقام الأول قبل أن يكون دعم الباحث نفسه، إلا أن هذا الهدف ينعكس رأسًا على عقب في ظل المبالغة في الدعم المالي للبحوث، وكما يقال (إن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده)؛ فالدعم المالي للبحوث إذا كان مغريًا ومبالغًا فيه فإن الغايات تنحرف عن مسارها السوي؛ ليكون هدف البحث هو التكسب المادي، وليس الجانب العلمي؛ فيصبح التكسب يمثل «المقام الأول»، والبحث يمثل «المقام الثاني»، بصورة تشبه تقدم العربة على الحصان.
وللصراحة، فهناك شريحة من الأكاديميين استغلوا تمويل البحوث استغلالاً سيئًا في الحصول على مبالغ مالية مبالَغ فيها، ويشجعهم في ذلك سهولة إجراءات الحصول على المنحة؛ فللحصول على المنحة لا يُشترط نشر البحث في مجلة علمية مُحكمة بل يُكتفى بإرفاق الفواتير الشرائية وفواتير مكافآت الباحثين.
وأنجع وسيلة لضبط ميزانية البحوث تتمثل في الشفافية، وإيجاد قاعدة معلوماتية بحثية متاحة للجميع، يُشار فيها إلى اسم الباحث، وعنوان بحثه، ومقدار المنحة البحثية.. ويمكن لأي أحد أن يطلع عليها بكل شفافية. وبهذه الشفافية سيكون المجتمع شاهدًا على تفاصيل أي منحة.
ولعلنا نحن الأكاديميين أن نكون أكثر صراحة مع أنفسنا؛ فعندما فتُحت امتيازات حضور المؤتمرات في الخارج أصبح هدف الكثير هو البحث في كل فصل دراسي عن انعقاد أي مؤتمر خارجي؛ ليس بدافع المشاركة الفعلية في ورقة بحثية، وإنما للحصول على الامتيازات المالية لحضور المؤتمر، فضلاً عن غياب بعضنا عن المحاضرات وقت انعقاد المؤتمر.
موضوع آخر ينبغي الإشارة إليه، هو الإشارة لملكية المعامل؛ إذ الملاحظ والشائع أن كثيرًا من المعامل في الجامعات تُعامَل وكأنها من أملاك أستاذ بعينه؛ فالأجهزة التي في المعمل لا يستفيد منها إلا ذلك الأستاذ! وأكثر من هذا أنه إذا سأله زميله لإعارتها له اعتذر! وتعجب من أن بعض تلك الأجهزة معطوبة رغم أنها لم تُستخدم على الإطلاق! ولو دققت في أسعار تلك الأجهزة لوجدت أن قيمها تصل لمئات الآلاف أو بالملايين. ولو كان هناك مساءلة لما وجدت أستاذًا يطلب توفير جهاز إلا وهو متيقن أنه سيحلله بما يتناسب مع القيمة البحثية.
وعليه، فلعل الجامعات تعيد النظر في معالجة الأجهزة المتكدسة في الأقسام عبر نظام محاسبي، يتم فيه التأكد من استثمار الأجهزة البحثية في أعلى طاقاتها.
الجدول (1) يوضح مكانة السعودية في الإنفاق البحثي.
جدول (2): يبيِّن ترتيب السعودية في الإنتاج البحثي، وهي تقع في المرتبة الـ43.
رابط الجدول الثاني: https://www.scimagojr.com/countryrank.php