هالة الناصر
مات حارس بوابة الرواية العربية الذي كان يقف على بابها لأكثر من 94 عامًا. قرن كامل وهو يشد أطناب خيمة الرواية العربية حتى لا تنخفض سقوفها أو ترتخي أوتادها. برحيل الروائي العربي الكبير حنا مينا فقدت الثقافة العربية واحدًا من أهم أعمدتها وشموسها المنيرة الذين أثروا المكتبة العربية بأزهى وأجمل وأروع الروايات المحبوكة باحترافية منقطعة النظير، تجبرك على أن تضعه على رأس قائمة أهم الروائيين العرب على الإطلاق. برحيله كتبت «نهاية رجل شجاع»، وانتهت «حكاية بحار». حنا مينا هو بحر الرواية العربية الذي لم يُكتب في مديح البحر ووصفه ومحبته، لا قبله ولا بعده، سواء من الروائيين أو المؤرخين. بمجرد أن تقرأ رواية لحنا مينا ستعشق البحر عشقًا لا يضاهيه عشق، وسترى البحر بصورة جديدة، وزاوية جديدة، لا يطل منها سوى من قرأ روايات حنا مينا. لا أبالغ إن قلت إنه أكثر الروائيين العرب إتقانًا لحبكة الرواية وتكنيكها، وليس هناك روائي عربي يضاهيه؛ إذ يندر أن تجد له رواية ضعيفة لا تشبع نهمك للرواية رغم أن عدد رواياته ليس بالقليل. سبق باولو كويلو في الولوج لعالم الرواية من باب الصحافة؛ لذلك تلمح حسًّا صحفيًّا بين سطور رواياته كما تلمحه في روايات كويلو. يكاد يكون الأستاذ الأول في كتابة رواية خالصة ليس للقارئ تأثير في حبكتها؛ إذ يعاب على الروائيين العرب عدم تخلصهم من هذا الضعف أثناء كتابة الرواية بشروط الرواية التي نعرفها، والتي تجعل من الرواية كائنًا حيًّا لا يموت، بل يزداد شبابًا وألقًا كلما ازدادت سنوات عمره. انطفأت «المصابيح الزرق» بموت صاحبها ورحيله لـ»المرفأ البعيد». رحل البحار المهيب وعميد صيادي الصور والمعاني والأخيلة تاركًا بيت الرواية موحشًا تذروه رياح الشتاء، و»الثلج يأتي من النافذة» يكتب فوق كل زاوية من زوايا المكان كلمة وداع، تليق بالفقيد الأكثر إدهاشًا وألقًا. ناسج الوميض في العبارة ودعنا وهو يوصي ويستحلف الجميع بأن لا ينشروا خبر رحيله بأي وسيلة إعلامية لأمنيته أن يبقى بسيطًا، ويريد أن يظل كذلك حتى بعد رحيله.