د.مساعد بن عبدالله النوح
حقيقة يلمسها الصغير قبل الكبير، والمقيم قبل المواطن، هي أن للسعودية فرحتَيْن في شهر ذي الحجة كل عام، الأولى فرحة مألوفة لدى كل مسلم، هي بلوغ عيد الأضحى المبارك والوطن والمواطن والمقيم بخير، والفرحة الثانية هي استكمال ضيوف الرحمن مناسك الحج بيسر في مناخ إسلامي وكرنفال عالمي متكامل الخدمات.
كان أهل الجاهلية شغوفين في موسم الحج بذكر آبائهم فخرًا وخيلاء؛ إذ يقول الرجل منهم: كان أبي يطعم، ويحمل الحملات، ويدفع الديات.. ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم. فجاء الإسلام، وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يفعله الحاج عند قضاء المناسك مخالفًا به شعارات الجاهلية، فقال تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ * وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} البقرة: 200- 202
يحق للسعودية أن تستمتع بالفرحتين معًا على المستويَيْن الرسمي والشعبي؛ فالأولى مثلها مثل أي مجتمع مسلم، والثانية ثمرة عمل منظم خلال العام، تسببت في تحقيق مظاهر انفعالية إيجابية لدى الحجاج؛ إذ إنها تفرح وهي ترى الحجاج في أجواء روحانية، ويعيشون نسمات إيمانية، يمارسون نسكهم صباح مساء دون ملل أو قلق، التي ستجعلهم إلى الله أقرب، ومن معصية الله أبعد، وستكون في ذاكرتهم أمدًا طويلاً، وذكريات جميلة.
ويحق لها أن تفرح برؤيتهم وهم في انسجام مع الآخرين في أخوة صادقة، لا فرق بين كبير وصغير، وقوي وضعيف، وأسود وأبيض، جميعهم يستشعرون الأخوة والمساواة، كلهم في النسك سواء، وأقربهم إلى الله أتقاهم؛ فليس السابق فيهم من بكّر في الحضور، وإنما من سبق بعمله وصلاحه، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (27) سورة المائدة.
ويحق لها أن تسعد وهي ترى الحجاج يمازحون بعضهم بعضًا، والآباء يلاطفون أبناءهم فرحة وابتهاجًا بانتهائهم من واجبات الحج بيُسر وسهولة، والأبناء أكثر فرحًا بسعادة والديهم بعد إتمامهم الحج. الفرحة واحدة عند الجميع بهذه التسهيلات التي شملت أكثر من (2.371.675) حاجًّا، منهم (1.758.722) حاجًّا من الخارج، وفق نشرة الهيئة العامة للإحصاء السعودية لعام 1439 - 2018 من أداء فريضتهم دون مكابدة العناء.
ويحق لها أن تبتهج وهي ترى الحجاج يعبِّرون عن سلامهم وفرحتهم لأسرهم في أوطانهم عند اللقاء بوسائل الإعلام السعودية، أو عند إرسال مقاطع لفيديوهات عن تنقلاتهم في المشاعر المقدسة عبر حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي.
ويحق لها أن تسر بتوديع الحجاج كما استقبلتهم بكل ترحاب وبهجة وسرور من كل العاملين والمسؤولين مدنيين وعسكريين إيمانًا بحق الأهل وحق الإسلام، وألسنتهم تلهج بترديد مقولة لهم: «حجًّا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا.. ورافقتكم السلامة». ويتمدد السرور بوصولهم إلى ديارهم سالمين فائزين, وقد تحولت منازلهم إلى قِبلة يقصدها أحبابهم للتهنئة بتمام حجهم, والدموع تختلط بين فرح بالعودة للديار، وفرح بلمّ شملهم.
ويحق لها أن تفرح وهي تسمع عبارات الشكر والعرفان والامتنان والدعاء لها من قِبل ضيوف الرحمن ورؤساء وفود الحج على كل جهودها التي بذلتها لراحتهم، وتيسير حجهم، وغمرتهم بالكرم وطيب المعاملة، فشاطرها جميع الحجاج مسؤولية المحافظة على هذه البلاد ومقدراتها، ومشاركتها مناسباتها.
وفي العموم يحق للسعودية أن تشارك الحجيج مشاعر السعادة والسرور بإتمامهم نسكهم، وقد قَدِموا من كل مكان تاركين أسرهم وبلدانهم لتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام، والنسك الفريد في هيئته وأحكامه، النسك الذي صرفوا لأجله المال، وضبطوا الجوارح بصورة لا يشاركها فيها غيرها من العبادات.
وعبَّر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في الحفل الرسمي لموسم حج هذا العام 1439 -2018 عن فرحة السعودية بهذه المناسبة الإسلامية كما نشره موقع (News_brk 24) إذ قال: «إن الشرف الأكبر الذي أكرم الله بلادنا به هو خدمتها ضيوف الرحمن. ومع عيد الأضحى المبارك أدعوه سبحانه أن يتمم للحجاج حجهم، وأن يديم الخير والسلام على أمتنا وسائر البلاد». ونشر الموقع ذاته مقولة أخرى، مفادها «نبذل الغالي والنفيس لخدمة الحجاج منذ عهد الملك المؤسس. والعالم يشهد ما يبذل من جهود في خدمة ضيوف الرحمن».
أسأل الله أن يجعل كل أيام بلادي وبلاد المسلمين أفراحًا.