الإبداع عشق عميق في النفس البشريَّة فهو أداة لتفريغ شحنات عقلية ونفسية وهو القالب الذي يحفظ تلك الموهبة الفذة عبر العصور - فالمبدع في مجال أسرار أنواع الزّهور والعناية بها ومعرفة أنواعها وطريقة مراحل تطورها أمر عميق يهدَّئ الأعصاب وصفاء جو ينعش النَّفس وأنس بتلك الأزهار والأشجار كما خُلقت - مثل الأفكار والمشاعر التي تتجدد كما يتجدد فصل الربيع وكما أن للربيع معاني لا تفنى جدتها إن من يجدد نظره إلى تلك الأزهار والأشجار يدل دلالة واضحة على رقة قلبه وعاطفته الجياشة وعشقه للأشياء الجميلة والمناظر الخلابة وقد التقينا بالأستاذ / عبدالرحمن بن فهد الجابر صاحب مشاتل الجابر بمحافظة الخرج من باب الصدفة فكان الجو جميلاً والأزهار جميلة وطلبنا منه أن يحدثنا ولو بجزء يسير عن عالم الزهور عبر هذا اللقاء القصير بحديثه الشيق قائلاً: لا أريد أن يكون حديثي هذا حديث منظّر فالنظريات موجودة في الكتب والكتب التي تتحدث عن الأزهار والأشجار تغص بها رفوف المكتبات لكني أريد أن احدثكم حديث المجرب الحديث الَّذي يخرج من القلب ليحل في القلب إن شاء الله ثم يظهر في الواقع عملاً متميزاً وتطبيقاً ناجحاً.
لا شك أن الاهتمام بالأزهار عالم كعالم الطيور وعلم الإنسان وعلم الحيوان وعلم البحار تتعدد مظاهرها ويتنوع جمالها ويمكن الحديث عنها من عدة وجوه أولاً من ناحية رائحتها ففيها قوي الرائحة كالفل والياسمين ومنها متوسِّط الرّائحة كبعض أنواع الورود كالقرنفل ومنها ضعيف الرّائحة كالأقحوان ومنها عديم الرّائحة.
وليس الجمال يتوقف عند الرّائحة فقط فالرائحة تتصل بحاسّة الشّم وهو أقل الحواس قيمة إذا قيس الأمر بالسمع والبصر لأن الرائحة مقرونة بالنفع فإذا تجردت من الرائحة كان تقويم الجمال للجمال كالقطعة الموسيقية والغناء الجميل فالغناء الجميل ذو المعنى والهدف يوزعك بين لذة العقل ولذة السمع والموسيقى الجميلة ينحصر جمالها في جمال إيقاعها - فالجمال المحدد خير من الجمال الموزع - فيقول عندما يتجول المرء بين جداول الأزهار والورود والأشجار يشعر أنه بين عدد من الفتيات الفاتنات المتنوعات ذات السمات الجميلة هذه زهرة تلفت النظر إلى قوة جمالها فتأسرك وهذه زهرة أخرى جمالها في وداعتها وهدوئها وهناك زهرة منعزلة مستترة لا يلتفت إليها أحد كالفتاة الخجولة المنطوية على نفسها وهذه أزهار مختلفة باختلاف نقوشها والوانها وهذه زهرة توحى بالنقاء والصفاء وهذه زهرة توحى بالقوة والجبروت فإن للأزهار لغات ودلالات تعجز عنها معاجم اللغات - حيث إن اللغة وسيلة قد تكون جيدة في نقل الآراء والأفكار والأهداف والغايات ولكنها أحياناً تكون فقيرة في نقل العواطف والمشاعر فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان والعالم ليتجاوبا ويتناغما فإذا لم يهتز القلب لجمال الأزهار ففيم خلقاها؟ وإذا لم يشعر بجمال الأزهار فقد الشعور بالجمال عامَّة.
فالأزهار أسرارها عجيبة في هذا الكون العظيم.
** **
- الرياض