عبدالعزيز السماري
هل اقتربت نهاية عصر الإنترنت؟.. تساؤل يطرحه العديد من المحللين. ويرجع بعضهم نهايته إلى زمن الاحتباس الحراري، وآخرون إلى زيادة الأحمال المنقولة، وزيادة تكاليف الطاقة لاستمراره، لكن العامل الأهم أنه في حقيقة الأمر انفجر من الداخل؛ فقد تحولت ساحاته إلى صراعات سلبية للقوى على الهامش، وأصبح الشغل الشاغل للسلطات، وأصبح شبكة يتم اصطياد الأصوات المخالفة فيها للرأي..
بهذا التحوُّل فقدت الشبكة عذريتها كوسيلة للتواصل الاجتماعي، وتحولت إلى ساحة صراع مرير، وطريقة لكسر العظم عند البعض؛ وبالتالي أصبحت السياسة وأطروحاتها ووجوهها المتعددة العامل الأهم لتحول الإنترنت إلى خنادق وسراديب مظلمة، لا يخرج منها المرء في نهاية النفق سالمًا، ولكن مثقلاً بجراحه وإصاباته وتهمه.
في فترة سابقة كان هناك في الإنترنت سباق حميم من أجل النجومية، ولم يخلُ الأمر من مزايدات في كسب الأصوات المؤيدة عبر شراء الأصوات أو تزييفها، أو التصعيد في التغريد من أجل لفت الأنظار. وفي الواقع العربي انتقلت أمراض التاريخ إلى داخل الشبكة، وتحول التحريض والإقصاء بأي طريقة أو وسيلة ممكنة الأداة الأكثر استخدامًا في ميادين الشبكة.
شبكة الإنترنت مجهر عالي الدقة لصورة المجتمع الحقيقية؛ فقد انتقلت أمراض المجتمع المستورة في الظلام إلى ساحة مكشوفة للعالم، وأصبحت طريقة سهلة لقراءة أي مجتمع من خلال هاشتاقاته وتغريدات مواطنيه، وربما توصلت السلطات المهتمة في العالم إلى فهم أكثر دقة لما نحن عليه في هذه المرحلة، وما سنكون فيه لو استمرت ثقافة التحريض والصراع في الشبكة..
لم نرث من تاريخنا الطويل إلا الرأي الواحد في مواجهة الآراء الأخرى، وأن الرأي المنتصر هو الذي يفرض إرادته بأي وسيلة شرعية أو غير شرعية على الجميع؛ وهو ما يعني أننا لم ندرك عقلاً إلى الآن فضل التعددية واحترام الرأي الآخر، وأن السلم الاجتماعي هدف سامٍ لمختلف الشعوب، ولم يمكن الوصول إليه إلا بالتشريعات التي تضح حدودًا واضحة لحرية التعبير..
شبكة الإنترنت في الواقع العربي تحولت إلى ساحة للأشباح الخارجين عن القانون، وإلى دوريات أمن، تتجول في ممراتها بحثا عن الأسماء الحقيقية خلف عدد لا حصر له للأسماء المستعارة؛ وهو ما يعني خروج الشبكة عن أهدافها الأولية كوسيلة للتواصل الاجتماعي والحضاري.
شبكة الإنترنت قادت إلى شيوع أفكار التطرف من جميع الأطراف، وغياب التنظيم المنهجي للطرح الفلسفي والفكري. وكان الدهشة أن نزل بعض المفكرين النخبويين إلى شوارعها والاشتباك مع الجماهير في معارك أقرب لحروب الشوارع والفوضى العارمة، وهو صورة أخرى لنهاية المفكر النخبوي الذي يقدم أطروحاته في منهج معرفي ملتزم بأساليب البحث العلمي.
ربما يكون أحد أهم الحلول لوضع حدود للجنون والتهور والعدمية في الإنترنت أن تختفي الأسماء الوهمية من مختلف الأطراف، وتبدأ مرحلة المشاركة من خلال الأسماء الحقيقية؛ وذلك لتحمل مسؤولية ما يكتبه المرء في موقعه. ولن نصل إلى هذه المرحلة بدون إصلاح حقيقي للشبكة من المنظمين لها، وبعدها قد تبدأ مرحلة أكثر واقعية مما يحصل في هذا الوقت.