يمضي الإنسان فترة طويلة من عمره في الحياة المهنية، ويأتي اليوم الذي يودّع فيه مهنةً ارتبط بها وأحبّها وأحبَّ بيئاتها وتطوراتها. تنتهي مسيرة الخدمة المهنية ومع انتهائها تُتاح للمرء فرصة التأمل وانبعاث المشاعر لتصف بعضاً ممّا تكتنزه النفس تجاه عمله الذي ودّعه ورفقائه الذين عاصرهم وتعلّم منهم واستفاد.
لقد قضيت قرابة الثلاث وثلاثين عاماً في عملي خادماً لديني وملكي ووطني، خدمة مرّت كأنها أشهر قليلة لجمال أيامها وشرف مهمتها وسمو قِيَم منسوبيها. ولو قلت «خدمة في الحرس الوطني»؛ لكفت هذه العبارة عن أي تعبيرات أخرى! فالحرس الوطني يُحوّل العمل من مجرد الوظيفة إلى حياة شاملة لمنسوبيه، حياة يتعلّمون فيها ويتطورون على المستويات الشخصية والمهنية وحتى الأُسَرِية.
لقد اكتسب الحرس الوطني سمعته البطولية من رجاله وتفانيهم وإخلاصهم وإتقانهم لأدوارهم المهنية وترابطهم وكأنهم أبناء رجل واحد، وهذا نتيجة ما قدّمه الحرس الوطني لأبنائه من توفير فرص التعلّم والنمو الشخصي والمهني والرعايات بمختلف فئاتها - تعليمياً وتدريبياً وصحياً واجتماعياً .. - على أفضل ما يُمكن تقديمه.
ارتبط الحرس الوطني باسم رجل عظيم، رجلٌ قاد مسيرته ونهض به نهضةً شمولية إلى درجة تليق بطبيعته وشرف مهمته واحتياجات رجاله. تعجز الكلمات وتقصر المحاولات عن وصف جهود الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله تعالى - في بناء الحرس الوطني وتطويره والعمل على ازدهاره في كل المجالات. وسيبقى الحرس الوطني ساعياً نحو التطور وتحقيق النجاحات المتتالية في الدفاع عن الوطن وتحقيق الأمن لأبناء وطنه بفضل الله تعالى ثم بفضل واهتمام ودعم سيدي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وسمو سيدي ولي العهد الأمين - حفظه الله - وسمو سيدي وزير الحرس الوطني - حفظه الله.
لقد اكتسبت من مسيرتي الوظيفية العديد من القِيَم والمعارف والخبرات والمهارات كحال جميع أبناء الحرس الوطني. ونحن أبناؤه مدينون للحرس الوطني والوطن بكل مظاهر الحياة الكريمة التي عشناها ونعيشها وسنعيشها بإذن الله تعالى. ودينٌ نقابله بالوفاء والعرفان والإخلاص والاستعداد للإسهام حاضراً ومستقبلاً في تطويره واستمرار تفوقه بما نستطيع وبما يحتاج.
إن الواجب يقتضي عليَّ أن أتقدم بالشكر لكل من علمني حرفاً أو عملاً أو قيماً أو نصحني لتحسين عملي أو تغيير خطأ حدث مني، وكذلك من شجعني طيلة حياتي سواءً معلماً أو طالباً أو موظفاً. أرجو من الله تعالى أن يبقيهم مثالاً يُحتذى من قبل الجميع ليسيروا على خطاهم في العمل والإنجاز وليتابعوا المسيرة على أكمل وجه.
بقي أن أقول لرفاق الخدمة الوظيفية؛ أنتم رأس المال الأغلى للحرس الوطني وليّ شخصياً. منكم اكتسب الحرس الوطني رُقيّ سمعته، ومنكم اكتسبت الكثير علماً وخبرة وقبلهما صدق الأخوة وتجسيد أخلاقيات العمل بممارسات مهنية وشخصية كانت وما زالت مضرب مثل. فلكم منيّ التحية والدعاء بالتوفيق والتمكين والنصر. قال الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (سورة الحج، الآية رقم 40).
يقف الارتباط اليومي للإنسان بعمله، ولا يقف حُبه وولاؤه والرغبة في المشاركة في استمرار تطوّر ورُقيّ ذلك العمل. هو مبدأ يعمل به كل وفيٍّ مخلص ليرد جزءاً بسيطاً من أفضال عمله العديدة. حفظ الله تعالى المملكة ملكاً وشعباً وأرضاً ومكتسبات.
** **
- مساعد قائد كلية الملك خالد العسكرية للشؤون الإدارية بوزارة الحرس الوطني