د. جاسر الحربش
لا أعرف الرأي الشرعي في الزواج العرفي كزواج غير معلن، بحضور الشهود والولي وينقصه التسجيل الرسمي. باختصار هو اتفاق بالتراضي بين طرفين على الزواج دون عقد رسمي، فلا يترتب عليه مرافعات وحقوق الزواج المسجل في الوثائق الرسمية.
يوجد شبه كبير بين هذا النوع من الزواج وبين التوافق المصلحي بين تجارتي الغذاء والدواء. الاتفاق بينهما على التنافس في السوق موجود وغير معلن، والشهود هم الرؤساء التنفيذيون للصناعتين لكنهم يتكتمون على زواج المصلحة، والولي هو وزارة التجارة في كل دول العالم الحديث المتصالح مع المردودات المالية المتبادلة بين التجارتين، ولا يوجد توثيق رسمي بالارتباط المصلحي بين الطرفين، فلا يترتب عليه مسؤوليات قانونية.
عندما أصيب الرئيس الأمريكي آيزنهاور عام 1957م بأزمة قلبية وجدت طبيبته الخاصة أن الكولسترول مرتفع جداً في دم الرئيس، فتذكرت الانطباعات التي كونتها عن سكان الجزيرة اليونانية كريت أثناء زيارة علمية قبل سنوات، لأن الفحوصات الطبية هناك لم تثبت وجود ارتفاع الكوليسترول في دماء الكريتيين. في تلك السنوات لم تكن أدوية الكولسترول المنتشرة حالياً معروفة، ودراسات علاقة الكولسترول بأمراض الشرايين والقلب في بداياتها، ولذلك فرضت طبيبة الرئيس عليه غذاء أهل جزيرة كريت الذي سمي فيما بعد حمية البحر الأبيض المتوسط وأدخل كمصطلح طبي متفق عليه. تعافى الرئيس آيزنهاور بسرعة واستمر على طعام أهل كريت وعمر سنوات بعد ذلك.
ما لاحظته طبيبة الرئيس هو أن سكان الجزيرة لم تكن اللحوم الحمراء جزءاً من طعامهم إلا في مناسبات متباعدة جداً وتكون عندئذ مشوية على النار حتى تفقد الدهون. كان طعامهم المعتاد الأسماك والخضراوات والسلطات والمكسرات والخبز المنزلي والفواكه وعصير العنب المحلي.
رغم الفوائد الصحية الواضحة لم يستطع الرئيس الأمريكي ولا طبيبته ولا العلوم الطبية إقناع الشعب الأمريكي بطعام البحر الأبيض المتوسط. صناعة الهمبرجر والسجق والفطائر والحلويات والمقرمشات والمعجنات تحولت إلى برامج أساسية للذوق الغذائي الأمريكي لدرجة الإدمان بسبب الإضافات المدروسة علمياً للطعام والنكهة واللون والرائحة التي يعقبها الشعور بالارتياح عندما يستدخل الزبون فوقها نصف لتر من المشروب الغازي ويطلق طلقات عدة من الفقاقيع من الهواء من بلاعيمه.
كانت صناعة الدواء تعلم يقيناً أن السياسة الغذائية في أمريكا خاطئة وخطرة وتفتح الأبواب للكثير من الأمراض الاستقلابية، ولكن المال والأرباح والضرائب أقوى من الحقائق الصحية. اكتملت المصيبة عندما لحقت صناعة الدواء بصناعة الغذاء وضخت الأموال في البحث العلمي بالاستثمار الدوائي من المصائب الغذائية وتحويلها إلى عوائد مالية ضخمة لشركات الأدوية والصيدليات والأطباء والتوزيع والدعاية والإعلام. هكذا بدأ الزواج العرفي بين صناعة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتشرت العدوى في كل دول العالم بما في ذلك المجتمعات الشيوعية والفقيرة. طريقة الأكل عند أهل جزيرة كريت اليونانية تحولت إلى أرملة بدون زوج وانجرف شباب الجزيرة إلى الطريقة الأمريكية في الأكل ثم التداوي بأدوية أمريكية مقابل الدفع بالعملات الصعبة.