د. محمد عبدالله الخازم
قبل العيد بنحو الشهر يشتري الوالد لفة (طاقة) قماش ملون، تكفي لثمانية أو عشرة ثياب، لكل طفل ثوبان، وبعد الترتيب مع الجار الطيب (خياط القرية)، تحمل الأم قماشها، وتأخذ صغارها إليه؛ ليأخذ مقاسات الثياب، وربما منحه بعض الأجرة مقدمًا. وخلال أسبوعين أو ثلاثة تكون الثياب أُنجزت؛ فيتكرر المشوار لاستلامها وقياسها لديه للتأكد من دقة الخياطة. يعود الأولاد فرحين بالثياب، لكن الفرحة الحقيقية تؤجل حتى يوم العيد؛ إذ لا يحق لهم لبسها قبل العيد. يُسمح بلبس ثوب واحد في العيد، والآخر للمدرسة. ليلة العيد (تحمم) الأم الأطفال، وتحث الكبار على فعل الشيء نفسه. يوجد مكان واحد مخصص للاستحمام، وتحتاج إلى غلي كمية الماء المناسبة لكل طفل. طبعًا وصايا الأم: انتبهوا للماء لا ينتهي وأنتم في منتصف الاستحمام.. الصابون لا يدخل عيونكم.. والماء يغطي كامل الجسم.. إلخ. سطل أو (حلة) ماء كافية جدًّا لاستحمام الشخص.
قبل النوم يتأكد كل شخص من تحضير ثوبه وحذائه وغترته، ويُمنِّي نفسه بحصاد العيد: (طراطيع)، حلاويات، رز ولحم، وربما عيديات ورؤية صبايا القرية في أحلى زينتهن. والأهم أنه سيكون يومًا خاليًا من العمل في المزرعة أو رعي الغنم. يصلي الوالد الفجر كعادته في المسجد، ثم يوقظ الأبناء، بينما تكون الوالدة قد جهزت البخور وملابس العيد للأب. يتسابق الأبناء للسلام على رأس الوالد والوالدة، وتهنئتهما بالعيد. ولأنه عيد الحج فالفطور كما هي السنة، كما تقول الوالدة «الأكل من عيد الضحية». يتجه الأب والأبناء للصلاة، والأم تعود لتوقظ البنات، وتجهيز أدوات الذبح ريثما يعودون. ليس معتادًا ذهاب النساء لصلاة العيد في القرية. يدخلون ساحة مصلى العيد فيسلم الوالد على الجماعة بصوت يسمعه الجميع. يفرشون سجادات الصلاة، ويأخذون أماكنهم في صفوف الجالسين. يكبرون مع الجماعة حتى وقت الصلاة والخطبة، ثم يتبادل الجميع السلام و(تحايا العيد).
بعد ذلك ينطلق كل منهم إلى ذبيحته، وفي الغالب يشترك كل مجموعة في ضحية، غالبًا ما تكون عجلاً أو ثورًا، يتعاونون على ذبحه - وقد تخلوا عن ملابس العيد حتى لا تتسخ - وسط أجواء مرح وسعادة. يسرعون في الوصول للكبد والقلب وقليل من اللحم؛ لتتولى ربة الدار تجهيز الفطور (كبدة ومقلقل وسمن بلدي مع خبزة مصنوعة في [ملة] الدار). يقطعون اللحم فوق البساط، ثم ينادون أحد الأبناء، ويكون ذلك تشريفًا له؛ ليأخذ السكاكين التي لا يعرف لمن هي، ويضع كل واحدة فوق كومة من اللحم، ولكل نصيبه أينما وُضعت سكينه، يحمله في (زنبيله) إلى بيته. جزء منه لصنع الغداء، وجزء يتم (حمسه) لاحقًا ليصبح (جليما) كما يسمونه، وبعضهم يتباهى بأضحيته بتعليق اللحم أمام الزوار.
تعود زينة ملابس العيد.. يتجمعون بعد صلاة الظهر في بيت أحدهم، ويبدؤون دورتهم على بيوت القرية، يتذوقون الغداء في كل بيت، ويكون (عيشًا) أو (عصيدًا) أو رزًّا ولحمًا. النساء والبنات يفعلون مثل ذلك بعد الرجال. ينتهون من ذلك مع صلاة العصر، وبعدها كلٌّ يزور أو يستقبل أقاربه وأصدقاءه، إن لم يكن (الزير) و(العرضة) و(المة).