د.مساعد بن عبدالله النوح
يخطئ من يظن أن الإسلام منهج اعتقاد فحسب، بل هو منهج حياة للإنسان والمجتمع على حد سواء، يتحوّل فيها الاعتقاد إلى ممارسات سلوكية لهما في جميع جوانب الحياة؛ لتتشكّل علاقات اجتماعية متشابكة وروابط راسخة على عدة منطلقات مثل: التراحم، والتكافل، والتناصح، والأمانة، والتسامح، والتصالح، والعدل وغيرها، وهذا ما يُلزم الأفراد والمجتمعات بالكثير من الواجبات تجاه بعضهما كأفراد، وتجاه المجتمعات ككيانات اجتماعية?
لذا جعل الإسلام المسلمين في طول الأرض وعرضها أمة واحدة، قال تعالى{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (52) سورة المؤمنون؛ وشبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالجسد الواحد: إذ قال (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) أخرجه البخاري.
وإذا كان الإنسان، وهو جزء من مجتمعه، وأمته، من المسلَّم به أن ينظر إلى مصالح الآخرين ومنافعهم كما ينظر إلى مصلحته، ويعامل الآخرين كما يحب أن يعاملوه؛ فإن المجتمع، وهو جزء من المنظومة الدولية، من المسلَّم به أن تجمعه معها روابط اجتماعية، ومصالح مشتركة، ترافقها أنظمة تستهدف ضبط وتوجيه تفاعلاتها. وهذا الخلق، يعكس روح الإحساس بالمسؤولية، والشعور بها تجاه الذات وتجاه الآخرين. الأمر الذي يؤدي إلى تلبية المجتمع لمصالحه، وبالتالي مراعاة مصالح المجتمعات الأخرى، واحترامها، مما يؤدي في النهاية إلى رقي فكر المجتمعات بأكملها، وتهذيب سلوكها.
لقد جرت العادة أن نسمع بحقوق الإنسان من خلال منظمات حقوق الإنسان، ولجانه، وكتاباته ومقرراته، وتشريعاته، وهي كثيرة، وتتوزع إلى حقوق عامة، وأخرى خاصة. وأضحت حقوق الإنسان العامة من الموضوعات التي أُشبعت بحثاً، وتدريساً، وتوجد كتابات عن حقوق الإنسان الخاصة، لكنها تعد من المحاولات النادرة، وهي تختلف باختلاف متغيِّرات عدة كنوع الجنس والمرحلة الدراسية والغرض، ونحو ذلك.
وتعد حقوق الحاج والمعتمر من نوع الحقوق الخاصة وفق الغرض، وقد حدد مقام وزارة الحج في السعودية مشكورة وثيقة الحقوق الخدمية للمعتمرين والحجاج داخل السعودية، مشيرة إلى أن الوزارة تعمل على حماية حقوقهم الخدمية، وذلك من خلال لجان المراقبة والمتابعة الميدانية، ومراكز التواصل؛ لتلقى الشكاوى والملاحظات التي تمس خدمات ضيوف الرحمن.
وتتمثَّل حقوق المعتمر في: توفير البيئة المناسبة لأداء المناسك، وتوفير جميع متطلبات السلامة والراحة، والحصول على التوعية اللازمة والنصح والإرشاد في كل ما يتعلّق بشؤونه أثناء وجوده داخل السعودية، وإرشاد التائهين، واستقبال الشكاوى ومعالجتها والعمل على حلها وكذلك استقبال المقترحات، والاستقبال والتوديع في المنافذ، ونقل المعتمر وأمتعته من وإلى مقر سكنه، وتأمين تنقلاته، والتأكد من حصوله على جميع الخدمات المتعاقد عليها بأرقى مستوى ممكن، والإشراف على راحته طوال مدة إقامته، وتأكيد حجوزات سفره، وتأمين تذكرة سفر في حال فقدانها والعودة بقيمتها على الوكيل الخارجي.
وحددت الوزارة حقوق الحاج في: حماية الحقوق الخدمية لحجاج الخارج وفقاً للضوابط، وتبعاً للتعاقدات الإلزامية بين ممثلي الحجاج «مكاتب شؤون الحجاج أو الشركات» والحاج من جهة، وبين ممثلي الحجاج وموردي الخدمات من جهة أخرى، والاهتمام بشكاوى الحجاج وملاحظاتهم على الشركات والمؤسسات من خلال عرضها على اللجنة المختصة بالنظر فيها والتحقيق بشأنها وإصدار القرار المناسب حيالها، وتقييم ما لديها من تقارير عن أداء المرخص لهم في الموسم وما يصلها من تقارير من الجهات للنظر في شكاوى الحجاج، ومعاقبة الشركات والمؤسسات المخالفة بتغريمها مالياً أو إيقافها عن الخدمة لموسم أو أكثر أو إلغاء تراخيصها.
ويعد البحث في حقوق المجتمع على جهات معينة كالأفراد والمجتمعات من المحاولات المهمة والتي تتم على استحياء على الرغم من توافر المعلومات في مصادر التشريع الإسلامي والأدب الإنساني? وبعد رصد هذه المعلومات، أمكن توزيعها إلى:
أولاً: حقوق المجتمع على الفرد، مثل: شعور الفرد بأنه لبنة في البناء العام للأمة، وأن يحب للناس ما يحب لنفسه، وأن يؤثر المرء لأمور الله ورسوله على كل ما سواهما، والغيرة على مصلحة الجماعة، والغضب لانتهاك الحرمات.
ثانياً: حقوق المجتمع على المجتمع، مثل: التعاون على البرّ والتقوى لا الإثم والعدوان، والإحسان إلى أفراد المجتمع، والنصرة، والوحدة أو الاعتصام بحبل الله، والسعي للإصلاح، والعفو والمسامحة، والوفاء بالعقود، وأداء الأمانة، واحترام المصالح، والتكافل والتواصي، وحفظ الحرمات ... إلخ.
وفي هذا الحيز تطرح المقالة فكرة عن حقوق السعودية في الحج، وترسم ملامح عنها الشرعية والفلسفية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية؛ للاستفادة منها كمشروع لمؤتمر متخصص في الحج أو بحث علمي أو رسالة جامعية ولاسيما في هذا الوقت المتشنّج ضد السعودية عملاً بقول الله تعالي {ولا تنسوا الفضل بينكم} (البقرة): 237 ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) . رواه البخاري. وهذا يعني: أن من كان من طبيعته وخلقه عدم شكر الناس على معروفهم وإحسانهم إليه، فإنه لا يشكر الله؛ لسوء تصرفه ولجفائه. فالذي يجب على كل مسلم ومجتمع مسلم أن يشكر على المعروف من أحسن إليه من أقارب وغيرهم، كما يجب عليه شكر الله على ما أحسن إليه، والله جلَّ وعلا يحب من عباده أن يشكروا من أحسن إليهم، وأن يقابلوا المعروف بالمعروف؛ كما قال عليه الصلاة والسلام»، ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه» رواه أحمد. وهذا يعني أنه يشرع للمؤمن أن يدعو لمن دعا له، وأن يقابل من أحسن إليه بالإحسان، وأن يثني عليه خيرًا في مقابل إحسانه إليه وبذل المعروف له، وهذا من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
والسعودية وهي تُنفذ المشروعات التوسعية، وتشرف على موسم الحج كل عام، تعتبر أن هذا تشريف لها من المولى تبارك وتعالى، وبالتالي لا تنتظر الشكر إلا منه، ولكن حكمة إلهية أن شرع حقوقاً للمسلم على المسلم، وقد شرع حقوقاً للمجتمع على المجتمع فمن حقوق السعودية على كل مجتمع ولاسيما المجتمع الإسلامي في موسم الحج:
حق الحرية:
بمعنى من حق السعودية أن تحدد الحاجات الفعلية للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة من مشاريع هندسية، وخدمات يتطلبها المعتمر والحاج كل عام في ضوء إشرافها الكامل وإدارتها المستقلة للأماكن الشريفة دون توجيه أو فرض سلطة من أي مجتمع مسلم.
حق التعريف بجهودها:
أي أن كل مجتمع مسلم عليه مسؤولية تعريف شعبه بالجهود التي تبذلها السعودية تجاه الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة كل عام سواء على مستوى المشاريع أو الموازنات التي تصرف عليها.
حق الدفاع عنها:
إذا ظهرت حماقات وسقطات معتادة في موسم الحج من قبل مصادر مُغرضة ومعروفة الأهداف والنوايا؛ تستهدف تضخيم الأخطاء الآنية إذا وجدت، والنبش في الأحداث الماضية، فإنه يجب على كل مجتمع مسلم أن يدافع عن السعودية من خلال توضيح الحقائق لشعبه من مصادره الرسمية.
حق التماس العذر:
أي تقديم والتماس العذر بدلاً من الظن السيئ عند التقصير - إن وجد -، فمن المعروف أن أي مجهود إنساني يتخلله النقص والضعف. قال عليه الصلاة والسلام (كل بني آدم خطاء، وخير الخطّائين التوابون) أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِي.
حق الاحترام المتبادل:
ويعني هذا الحق أن يُلزم المجتمع المسلم أفراده وجماعاته على احترام النظم المعمول بها في السعودية ولاسيما في موسم الحج، وأن يحاسب مروجي الشائعات والضلالات لديه ضد السعودية من الذين يستهدفون النيل من كرامتها وهيبتها؛ لتأليب العالم عليها.
حق تثقيف المعتمر والحاج:
ومن الحقوق قيام السفارات الأجنبية في السعودية وحملات حج الخارج بتوعية المعتمرين والحجاج بثقافة الحج، ومواقع المشاعر المقدسة، والاحتياطات اللازمة كالصحية والأمنية والاقتصادية، والاطلاع على وثيقة المعتمر والحاج؛ لانسيابية حركة الحجيج وسلامتهم، حيث يأتي بعضهم لأداء الحج بدون معرفة سابقة عن الحج المشروع، وأنظمة السعودية في الحج?
أسأل الله العون لكل ضيوفه، والتوفيق لبلادي الغالية في كل موسم