أمل بنت فهد
حين تتكون بداخلك مشاعر تجاه أحداث معينة طاحنة، وقبل أن تأخذك للحزن، أو الإحباط، وقبل أن تجذبك لسوادها، انتظر قليلاً قبل أن تعطي موافقتك للجحيم؛ إذ غالبًا لا تكون الأمور كما تبدو عليه. على سبيل المثال لا الحصر فإن نظرة مجملة على ما يحدث في الإعلام الجديد، وأقصد تحديدًا مواقع التواصل، والتطبيقات الاجتماعية، كل ما تراه وتقرؤه محض هراء، ومجرد آراء قُدمت على أنها حقائق، كأنك في جمع غفير، كله يتحدث دفعة واحدة، في ضجيج ليس له مثيل من الفوضى الجماهيرية، وغير مسبوقة؛ لأنه في زمننا هذا حدث ما لم يحدث في أزمنة سابقة: الكل يمارس التحدث، ولا أحد ينصت، أو يحلل، أو يفكر قليلاً.. لقد قامت التكنولوجيا بجمعنا وابتلاعنا جميعًا، واختلط كل شيء.
ولأن الوضع تحتله التجارة السياسية - إن صح التعبير - تبيع لك توجهات، تخدم تيارًا ما، وأنت المشتري، وكذلك التجارة العامة والإعلان في أسخف صورها، وأكثرها استغلالاً لرغباتك، واحتياجاتك، وتجار المصالح الشخصية لحصد صوتك كرأي عام في قضية لست معنيًّا بها، ولا تعرف عنها إلا ما أراده صاحبها.
هذا هو الوضع بتجرد وشفافية في آلة الإعلام الجديد، والمحاولات مستميتة في نشر الفُرقة، والكراهية، والعنصرية بين البشر؛ لأن التفرقة تفتح مساحة للمنتفعين منها؛ لذا تجند مئات الأصوات الوهمية لتأكيد فكرة الاستهداف والكُره، رغم أن الواقع مختلف تمامًا؛ فالبشر لا يزالون يحبون بعضهم، والسلام حلم الأغلبية، والطيبة تصارع القسوة، كما الخير يصارع الشر إلى آخر يوم في الحياة.
ومن يطالبك بالتقوقع، أو الانزواء أمام تلك الفوضى، فإنه مخطئ؛ لأن التغافل عن الشيء لا يعني أنه انتهى، أو اختفى.
بل المطلوب وما تحتاج إليه فعلاً أن تسمع وترى، لكن لا تغفل عن فضيلة الشك التي خُلقت بها، واجعل السؤال حاضرًا في ذهنك عن مغزى ما يُطلب منك، لصالح مَن؟ وهل هي قضيتك أم أنها بيعت لك وأنت لا تحتاج إليها.
ولسوف تحتاج دائمًا وأبدًا إلى العودة إلى مبادئك، وإلى حدودك التي رسمتها لنفسك؛ لتنفض عنها غبار النسيان؛ فهي صمام الأمان لعقلك، وحياتك.. ستؤكد أن وطنك قضية لا جدال فيها؛ لأن من سمح لتجار الدم بأن يسرقوا وطنه ضاع، ولم يعد له صوت ولا حتى ظل.
وستطلب الإثبات والأدلة؛ لتفرق بين الرأي والمعلومة.. ستدرك أن أبعاد أي قضية تفوق ما تراه أمامك.
وتذكَّر أن الكذب هناك أكثر من الصدق، والمصالح فوق كل اعتبار.. وتذكَّر أنها لا تحكي الواقع، بل هي أدوات لمحاولة تغييره لصالح ما.