تدون الذكريات جميعها في صور وتحاط ببرواز لتبقى ما بقيت وإن رحلتْ تحاط جميعها في لملمة الألم وتعلّق جميل الذكريات على حائط الوداع، رحلت أم المعتصم وقد أوجعها الألم وفي رحيلها أوجعت الكثير وغاليتي أمي بكت وأبكت أماً تناديها وأختاً تناجي رحيلها، سيل الدموع لم يقف ففي مسجدٍ صدع حزن أبنائها وقد حضنتُ الألم معهما باكياً فطيفُها لم يغب عني وقد غابت وغاب شمسها.
وقف الإمام ينادي الصلاة على الجنازة وفي قلبي صلاة الله وتكبيره على رسول الهدى وقفنا جميعاً وعيناي تفيض الدمع حتى كبر الإمام وفي ثالثها دعوت الله برحمته وكرمه ومغفرته أن تشمل أم المعتصم في قبرها رحمتك وأن يثبتها ويبدلها بدارٍ خير من دارها.
سلَّم الإمامُ وانفض الناسُ على عجلٍ سابقتهم لعلي أكون من بين يديها منزلاً لمنزلها الأخيرُ كنتُ وقد سبقتُ الكل إلا أن فيض عيون ابنيها قد أوجع موضعي خرجتُ ملبياً لهما لينزلا مكاني رفعتُ رأسها من نعشٍ قد حملها وسلّمتُ الأمانة لهما وللحدٍ كانت قد استوت في مكانها، وطيفٌ جديدٌ تربع ليس في سهوٍ، بل في حاضرٍ وبكيتُ ومن حولي ينادي بلحدٍ لها، صُف على وزنٍ وأصواتٍ تدعو الله برحمتها.
وقفأ.. معتصم ولم يتعصم من دموعه ومنذر لم ينذر بوفاتها خرجا وعيونهما نحو الترابِ وحالهما هلوا عليها ولا توجِعوها فقد يؤذيها الترابُ وربي أرحمُ من فيها.
صاح معتصم ومنذر فوق قبرها لا صوت يسمعُ ولا عين تراها، أتى المعزون في ذكرها ودعواتهم لها برحمةٍ تنجيها، جرى الخطى كل من فيها وداعاً أم المعتصم في جنة الخلدٍ نناديها.
** **
- سليمان بن عبدالله الظفيري